انتكاسات البرامج الفضائيّة
3 December 2014 , Educational Issues
يجب أن تقوّي انتكاسات البرامج الفضائيّة عزيمتنا..
نضال قسوم
خلال أقل من ثلاثة أيام، بين 28 و31 أكتوبر، وقع حادثان كبيران لبرامج فضائية أمريكية. ففي الحادث الأول كان انفجار صاروخ بعد إقلاعه بثوان من منصّة الإطلاق، ولحسن الحظ لم تقع أيّة خسائر بشرية، لكن ضاعت ملايين الدولارات في المعدّات والمؤن التي كانت متوجّهة لمحطّة الفضاء الدّولية. أما الحادث الثّاني فكان تحطّم طائرة “سبايس شيب تو” SpaceShipTwo التي كانت تحت الاختبار من طرف شركة “فيرجين غالاكتيك” Virgin Galactic في برنامج السّياحة الفضائية الذي تعدّ له، وقد توفّي طيّار وجرح آخر في ذلك التّحطّم.
لقد ذكّرتني مشاهدة الصّور – وخصوصا فيديو انفجار الصّاروخ – بحوادث سابقة للبرامج الفضائيّة، أبرزها انفجار مكّوكي الفضاء عامي 1986 و2003. ومباشرة انتابني قلق بأنّ عامّة النّاس وربّما بعض الرّسميين قد يفقدون تحمّسهم للبرنامج الفضائي الإماراتي الطّموح، خصوصا عندما نعلم كم كانت مهمّات المرّيخ “مشؤومة” في الماضي.
في المقال الذي كتبته هنا في “غولف-نيوز” مباشرة بعد إعلان دولة الإمارات العربيّة المتّحدة عن خطتها لإقامة وكالة فضائيّة وتنفيذ مهمّة للمرّيخ، الإعلان الذي شبّهته بالخطاب الذي أعلن فيه الرئيس الأمريكي جون كينيدي الذّهاب للقمر في الستينيات، تذكّرت مرّة أخرى قوله :”لقد اخترنا الذّهاب للقمر خلال هذا العقد وفعل أشياء أخرى ليس لأنّه أمر سهل بل لأنّه أمر صعب”.
نعم، لقد أثبتت البرامج الفضائيّة أنّها عالية الكلفة سواءً المادّية أو البشريّة. فمنذ بداية الستينيات انفجر العديد من الصواريخ عند إطلاقها. والحالة الأكثر شهرة هي حادث مكّوك الفضاء “تشالنجر” عام 1986 الذي أدّى إلى وفاة سبعة روّاد فضاء، من بينهم معلّمة. كما أن العديد من المركبات الفضائيّة تحطّمت لدى عودتها للأرض، مثل مكّوك “كولومبيا” الذي كان عائدا بسبعة روّاد بعد أن قضوا أسبوعين من الأعمال الناجحة في الفضاء. وقد كان للسّوفييت نصيبهم الكبير أيضا من الخسائر، مع موت عدد من روّاد الفضاء خلال محاولات فاشلة للعودة الى الأرض.
وهناك أيضا بعض الحالات التي كادت أن تكون مأساوية، مثل مهمّة أبولو 13 التّى تحوّلت من كارثة محقّقة إلى “أفضل لحظات ناسا” عندما عمل المهندسون والعلماء على إيجاد حلّ لإعادة روّاد الفضاء سالمين على متن مركبتهم المعطّلة.
أما المهمّات إلى المرّيخ فهي الأكثر صعوبة، على الرغم من عدم وقوع خسائر بشريّة في أي منها، إذ كانت جميع المركبات غير مأهولة. وقد حدثت أكثر الحالات الفاشلة بعد الإطلاق. فما بين عامي 1960 و2000 كان هناك 25 مهمة فاشلة من أصل 32، أي بنسبة (محبطة) بلغت 78%. لكن نسبة الفشل انخفضت إلى 12.5% بين عامي 2000 و 2010 (أي فشل واحد من بين ثمانية محاولات). ويمكننا الإدراك الآن كم أصبحت مهمّات المرّيخ ناجحة بشكل مذهل مع هبوط مركبة ناسا “كيريوسيتي” المثير للإعجاب، ومؤخّراً المركبة الهندية “مانغاليان” التي اتّخدت مدارا حول الكوكب الأحمر وأرسلت إلينا صورا وبيانات بشكل ممتاز.
لكن، ما الذي تسبّب في كلّ تلك الحالات الفاشلة، وكيف يمكننا أن نتجنّبها ونتغلّب عليها؟
غالبا ما تنسب حوادث الإطلاق إلى عيوب في تصميم الصّواريخ، ومشاكل في بنية المحرّك (كما ظهر في حالة انفجار الصّاروخ الأخيرة)، أو ظروف الطقس غير الملائمة (كما في حادث “تشالنجر” الشهير). لكن يمكننا أن نستفيد من تلك الإخفاقات لتجنّب كل ذلك عبر إجراء اختبارات وعمليات فحص دقيقة.
فالاعتماد على العتاد والتكنولوجيا القديمة والقفز المتسرّع على إجراءات التحقّق (كما تم في تلك الحالات الشهيرية) هي وصفة مؤكّدة للكارثة، ندفع ثمنها غاليا.
أما في الفضاء، أي بعد الإنطلاق وخلال الرحلة، فإن المشكلة الأكثر شيوعا في مهمّات المرّيخ هي فشل اتّصالات الرّاديو أو أخطاء برمجة في مناورات الوصول. لكنّ الأمور قد تحسّنت بشكل كبير مؤخرا في كلا الأمرين، ويشهد على ذلك الانخفاض في معدّلات الفشل خلال العقد الماضي. وهذا يعني ببساطة وجوب التحديث الدائم ومواكبة أحدث تكنولوجيات الفضاء ونظم المراقبة والتحكّم.
والآن، ما هي الآثار المترتّبة على الحوادث الأخيرة في برامج الفضاء؟
إن الأثر الأوّل هو نفسيّ، كما هو الحال دائما عندما تقع حوادث في فترات متقاربة. ففي مثل هذه الحالات يميل النّاس إلى تعميم وتضخيم المشاكل، في حين أنّ هذه الحالات غير مرتبطة ببعضها البعض، والوضع العام بعيد عن الحالة الكارثية التي يتصوّرها الناس. لكنّ النّتيجة الأكثر خطورة لهذه الحوادث ستكون إصرار الرّأي العام على إعادة النّظر بشكل كامل في برامج السّياحة الفضائيّة، التي ستقلّ البشر الذين سينفقون أموالا كبيرة ويقضون الكثير من الوقت في التّدريب لمثل هذه الرّحلات. إن الرأي العام لن يتقبّل أيّ انفجار لمركبة مأهولة، وليست عنّا ببعيد كارثة “تشالنجر” التي كانت صدمة بالنّسبة لأمريكا، إذ تم توقيف المكوك لأكثر من عامين وتم إجراء تعديل تقني كامل عليه، فقد ساهم وجود معلّمة ضمن الطاقم والبثّ المباشر للحدث على التلفزيون كثيرا في تلك الصدمة. ولو فكّرنا في الأمر مليّاُ سندرك أن مراجعة إجراءات برامج السّياحة الفضائيّة وما سينتج عن ذلك من تأخير ليس بالشّيء السّيء، فالسّلامة أوّلا كما يقولون!
أما الأثر الثاني فهو ما سيكون من المراجعة الجدّية لمسألة الإعتماد على الشّركات التّجاريّة في إطلاق الصّواريخ، كشركة “أوربيتال ساينسس كوربوريشن” التي كانت المسؤولة عن الإطلاق الأخير الفاشل. صحيح أنّه لم تحدث ثمة خسائر بشريّة في ذلك الحادث، وبغضّ النّظر عمّن سيتحمّل الخسائر المالية وتأخّر البرنامج، فإن من الأهم الوصول الى مرحلة تخلو من المخاطر قدر الإمكان.
ويبقى التّعلّم من النّكسات، والنّقد الذّاتي، والتّطلّع للأعلى، والمضيّ قدما بثبات هو ما يميّز روح التقدّم لدى الإنسان. وكما قال بيار كورنيل ببلاغة قبل قرون :”الفوز دون مخاطرة هو انتصار دون مجد”.
ترجمة جهاد حسام الحسين صوالح محمد لمقال نضال قسوم الصادر بجريدة غولف-نيوز يوم الثلاثاء 11 نوفمبر 2014:
http://gulfnews.com/opinions/columnists/space-setbacks-should-strengthen-our-resolve-1.1410627