تعليم الفتيات ليس كافيا – ملالا وجائزة نوبل للسلام
22 October 2014 , Educational Issues
تعليم الفتيات ليس كافيا
حتى إذا كانت الفجوة بين الجنسين صغيرة في التعليم، فإنها مازات كبيرة في باقي المجالات الاجتماعية الأخرى.
نضال قسوم
غولف نيوز – 14 أكتوبر 2014
كما بات يعرف الجميع، نالت “ملالا يوسف زاي” جائزة نوبل للسلام مناصفة مع “كيلاش ساتيارتي” هذه السنة. و”ملالا” قد صارت مشهورة بالفعل بسبب إطلاق النّار عليها من قبل “طالبان” قبل سنتين لما قامت به من حملة من أجل تعليم الفتيات، بينما “ساتيارتي” كان قد قام بتنظيم مظاهرات واحتجاجات سلميّة ضدّ الاستغلال الاقتصاديّ للأطفال. وقد أبرزت لجنة نوبل بشكل جليّ الجانب السياسي والثقافي في إشراك الإثنين في الجائزة، إي بين رجل هندي هندوسي وشابّةً باكستانية مسلمة، والقاسم المشترك بينهما هو “النّضال في سبيل التعليم وضدّ التطّرف”، حسب ما جاء في الإعلان. ولتكتمل الصّورة الرائعة في هذه الجائزة، فإنّ “ملالا” ذات السبعة عشر ربيعا حطّمت الرقم القياسيّ بصفتها أصغر شخص يتحصّل على جائزة نوبل في أيّ مجال، وهو ما يعتبر إنجازاً كبيراً.
ومع أنّ هناك العديد من الأصوات المنتقدة لاختيار “ملالا”، والتي أشارت إلى استخدامها كأداة سياسيّة في الغرب على حساب نشطاء آخرين أقلّ جاذبيّة في العالم الإسلامي، فإنّ شجاعتها وبلاغتها لا يمكن تجاهلهما، وتحوّلها الى الشخصية الإعلامية الرئيسية في قضية مهمة لا يمكن إلا الإشادة به.
رغم ذلك، أودّ تأكيد وجوب النظر لتعليم الفتيات على أنه الخطوة الأولى فقط في النّضال من أجل حقوق المرأة وتمكينها. فالعام الماضي، وفي حوار مع البي. بي. سي.، قالت “ملالا”: “بالنّسبة لي، إنّ أفضل سبيل للنّضال ضدّ الإرهاب والتّطرّف هو شيء واحد بسيط: تعليم الجيل الصّاعد”. لكنّ هذا التّصريح، الذي يبدو بليغاً، هو في الواقع طرح قاصر من ناحيتين: فهو من جهة يفترض أنّ النّضال هو من أجل مقاومة الإرهاب، بينما هو في الحقيقة لتنوير المجتمع بأكمله حتّى في غياب التّطرّف؛ ومن جهة أخرى، فإنّ تقديم التعليم على أنّه حلّ كامل للمشكلة هو تبسيط للمسألة، فالتعليم حقيقة هو فقط الخطوة (الكبيرة) الأولى.
وحتى تتضّح الصورة، لنرجع الى التقرير الدوليّ لـ”الفجوة ما بين الجنسين”، والذي أصدره المنتدى الاقتصاديّ العالميّ العام الماضي 2013. فقد تمّ فيه تقييم 136 بلدا، منها 14 دولة عربية، من حيث الفروق بين الرّجال والنّساء في فرص التعليم والآفاق الاجتماعية والاقتصاديّة والسّياسية. وقد أظهر التقرير أنه حتّى في دول مثل الإمارات العربية المتّحدة، حيث الفجوة في مجال التعليم بين الجنسين قد اختفت (حسب التقرير)، فإنّ الفرق ما يزال كبيراً في باقي المجالات الاجتماعية.
بل إننا نجد أنّ عدد الإناث أكبر من عدد الذكور في جامعات كلّ من الإمارات العربية المتحدة، وقطر، والبحرين، والكويت، والجزائر، وعُمان، والأردن، ولبنان والمملكة العربية السّعوديّة، لكن إذا أخذنا عوامل أخرى بعين الاعتبار فإننا سنجد أنّ منطقة الشّرق الأوسط وشمال إفريقيا متأخّرة عن العالم في ما يخص مكاسب المرأة بشكل أوسع. فقد صُنّفت الدّول العربية الـ14 فيما بين المرتبة 109 (الإمارات العربية المتّحدة) و 136 (اليمن). ويبدو أنّ الأمر قد ازداد سوءاً في السّنوات القليلة الماضيّة في نواحٍ أخرى، إذ في حين كانت نسبة النّساء في البرلمان المصريّ 13% عام 2010، فإنها انخفضت إلى 2% عام 2013. وكذلك تبدو الصورة قاتمة في المجال الاقتصاديّ، إذ تقع 10 دول من الدول العربية الـ14 ضمن آخر 15 على السلّم العالميّ في تقرير الفجوة بين الجنسين.
وإنّ ما يدعو للقلق أكثر هو أن التّعليم لم يحل مشكلة وضع المرأة في هذه منطقتنا، على الأقل ليس بالسّرعة الكافيّة. إذ نجد أن الدّرجات الجامعيّة التي تحصل عليها النساء لا تترجَم إلى وظائف، ناهيك عن مناصب قيادية. ففي مصر مثلاً، نجد 32% من المتحصّلات على شهادات جامعيّة عاطلات عن العمل، أي ثلاثة أضعاف نسبة العاطلين عن العمل من الرّجال. أما في سوريا، فإنّ نسبة البطالة بين النّساء عام 2011 (قبل الحرب) كانت 71% وبالنّسبة للرّجال كانت 27%. وفي معظم الدّول العربية تشغل النّساء أقلّ من 10% من المناصب القياديّة والإداريّة…
ويشير المعلّقون إلى معايير وعوامل اجتماعية خاصّة يمكن أن تفسّر هذه الأرقام ولو بشكل جزئيّ. فما إن تتزوّج النّساء وينجبن أطفالا، فإنهنّ كثيرا ما يخترن البقاء في المنزل مهما كان مستواهنّ التعليميّ عالياً. والملاحظ أنّ النّساء والأسر المحافظة تتجنّب التوظيف الذي يقتضي التعامل الكثيف مع الرجال. ففي المملكة العربية السّعوديّة، على سبيل مثال، ورغم أنّ 57% من الحاصلين على الشّهادات الجامعيّة هم من النّساء، نجدّ أنّ 17% فقط من القوّة العاملة هي من العنصر النّسويّ.
لكن هل هذا أمر مقلق؟ هنا يمكننا الاستماع لرأي خبير، إذ يرى حاتم السّمان، وهو مدير في شركة للاستشارات الاستراتيجية والإدارية العامّة، أنّ التّوظيف الكامل للنّساء في أيّ بلد عربيّ يمكن أن يزيد النّاتج المحلّي الإجماليّ بنسبة 12%، وهي زيادة غاية في الأهميّة.
إنّ هذه المراجعة للوضع العربي تشير إلى أهميّة وضرورة القيام بجهود جديّة لإعطاء النساء الفرصة للعمل إذا رغبن بذلك. يجب زيادة فرص العمل من المنزل، خاصةَ أنّ الحاصلين على الشّهادات الجامعيّة حاليا متمكّنون من المهارات الحاسوبية ومتّصلون رقمياً. ويجب على الجامعات والمعاهد القيام بجهود أكبر للوصول إلى الشركات والترويج لخرّيجيها (من الجنسين) وتعريف طلبتها بالطّيف الواسع من خيارات العمل المتاحة بالفعل.
في مجلس الأمم المتّحدة للشّباب عام 2012، صرّحت “ملالا” قائلة: “طفل واحد، معلّم واحد، كتاب واحد، وقلم واحد، يمكن أن يغيّروا العالم. التّعليم هو الحلّ الوحيد. التعليم أوّلا”. نعم ملالا، بالتأكيد يمكن للمعلّم وللكتاب أن يكونا نقطة تحوّل، والتّعليم هو عامل مهمّ، بل ربّما المؤثّر الأهمّ في تغيير الحياة والمجتمع. والتعليم أولاً، بالفعل، لكنه ليس الحلّ الوحيد. هناك جهود إضافية يجب أن يقوم بها المجتمع والحكومات والمنظّمات غير الحكوميّة والنّاشطون، وهناك المزيد من العمل المنتظَر منّا جميعا.
ترجمة حسام الحسين ومراجعة أ. بسمة ذياب لمقال نضال قسوم الصادر بجريدة غولف-نيوز يوم الثلاثاء 14 أكتوبر 2014:
http://gulfnews.com/opinions/columnists/educating-girls-is-not-enough-1.1398075