تويتر العالم المدهش
8 January 2015 , Educational Issues
تويتر العالم المدهش
نضال قسوم
كان انضمامي لعالم “تويتر” في منتصف العام 2013… هذا النوع من أدوات التواصل الإلكتروني الذي برز على الساحة في العام 2006، والذي قاومت طويلا الانضمام إليه، ذلك لأنني أولا، كنت مقتنعا أن “تويتر” منصبّ على أحاديث وثرثرة بين الناس حول ما يقومون به وما يفكّرون فيه وما يشعرون في لحظات ما. وثانياً، وحتى لو كنت أستطيع تصوّر بعض الفائدة لهذه الوسيلة، فإنني كنت منهمكاً ومشغولا جداً بواجبات وأعمال أخرى. لكنّ الذي حدث أن أحد طلبتي أقنعني بالانضمام لمستخدمي “تويتر” من أجل الإجابة عن استفسارات وأسئلة كان سيطرحها المتابعون حول مشروعنا الفلكيّ التثقيفيّ الذي كنّا قد أطلقناه للتوّ. وتجربتي مع تويتر ورؤيتي حيالها هي ما أودّ أن أحدّثكم بشأنها.
من كان يستطيع أن يتصوّر أيّ تبادل وتواصل هادف وذي معنى من خلال رسائل لا تتجاوز 140 حرفاً؟ لقد اتضح أنّ ذلك ليس ممكناً فحسب، بل إنه يمكن تقديم الأفكار أحيانا بطريقة أفضل مما يكون مع الخطاب الطويل؛ بل لقد تبيّن أنّ التغريدات الأكثر فعالية هي التي لا يتجاوز طولها 40-60 حرفاً. ويخبرنا “كريستيان رادر” في كتابه الرائع “تدفق البيانات”Dataclysm (إصدار العام 2014)، من خلال تحليلات إحصائية متعلقة بـ”البيانات الكثيرة” التي يحملها الإنترنت، بما فيها “تويتر” و”جوجل”، أنّ معدّل طول الكلمات في التغريدات يبلغ 4.3 حرف، أي أنها أطول من تلك الموجودة في “مجمع ” أكسفورد للغة الإنجليزية” (الذي يضمّ معظم النصوص الإنجليزية) حيث يبلغ معدّل طول الكلمات فيه 3.4 حرف.
والأهمّ من ذلك، ما نجده عند المقارنة بين “تويتر” من جهة ونصوص المصادر الأخرى بما فيها الأدبية من جهة أخرى، حيث أن الكلمات المئة الأكثر شيوعا في ” تويتر ” تعبّر عن أفكار ومشاعر أعمق: فمثلاً، تأتي كلمة ” الحب” في المرتبة 27، ولكنها لا تظهر ضمن المئة الأكثر شيوعا في باقي “مجمع النصوص الإنجليزية”. وكذلك تظهر الكلمات “سعيد” و “الأفضل” و”الحياة” و “لماذا” في الرتب 66 و69 و73 و77 على التوالي فقط في قائمة ” تويتر”. ولقد أكّدت هذه النتائج تجربتي ذات الثمانية عشر شهراً مع هذه الوسيلة ” تويتر”، وألغت بالكامل اعتقادي السابق بسطحيتها وضحالتها.
لا عجب أن العالم قد اقتيد إلى تويتر بأسرع توجّه يمكن تصوّره وبفعالية وتأثير استثنائيين. في جميع أنحاء العالم، يستخدمه الرجال والنساء بالتساوي، كما هو الحال أيضا لمختلف القطاعات الإجتماعية، من الأكثر تعليماً إلى الأقل. لكنّ الحال في العالم العربي مختلف نوعاً ما.
أحدث البيانات الخاصّة بالعالم العربي يمكن العثور عليها في تقرير الإعلام الاجتماعي العربي للعام 2014، والذي أصدر من قبل كلية دبي للإدارة الحكومية، حيث نجد أنه مع شهر آذار/ مارس عام 2014، كان هناك 5.8 مليون مستخدم عربيّ “نشط” (أي أولئك الذين يدخلون حساب تويتر مرة واحدة على الأقل في الشهر). ويأتي من المملكة العربية السعودية وحدها حوالى 40 في المئة من جميع المستخدمين العرب، تليها مصر مع 1.1 مليون مستخدم، والإمارات العربية المتحدة مع 0.5 مليون مستخدم. ومن حيث “التغلغل” (أي نسبة المستخدمين إلى عدد السكان) تحتلّ الكويت الصدارة. وتمثّل الإناث 37 في المئة من مجتمع تويتر العربي (بنسب تتراوح ما بين 48% في لبنان و 43% في الإمارات العربية المتحدة إلى 16 % في اليمن). ويبيّن التقرير أنّ العرب يصدرون 17.2 مليون تغريدة يوميا، في المتوسط، وثلاثة أرباعها باللغة العربية، وهو اتجاه آخذُ في التزايد، ما عدا في الإمارات العربية المتحدة: فنسبة استخدام اللغة العربية في تويتر هي الآن 92 % في المملكة العربية السعودية، و 86% في الكويت، و 65% في مصر، وكلها في تزايد طفيف، ولكن نسبة استخدام اللغة العربية لدى المغرّدين في الإمارات العربية المتحدة بلغت 46%، منخفضةً عن قيمتها للعام السابق، إذ كانت 51%.
إن هذا النشاط والتفاعل ذو عواقب مهمة من حيث الأثر الاجتماعي، ولقد اكتشفت هذا التأثير بنفسي: في البداية وعلى مدى أشهر كنت أغرّد بشكل حصريّ تقريبا باللغة الإنجليزية (ناشداً “الوصول للعالم”)، وحينذاك لم يتعدّ عدد متابعيّ بضع مئات، ولكن بعد ذلك تلقّيت نصائح للتغريد باللغة العربية، ومع تغريدات أكثر ذكاءً وإثارةً للاهتمام، وفي غضون بضعة أشهر قفز العدد بسرعة إلى بضعة آلاف، وهو الآن يتجاوز 12 ألف متابع.
لقد أصبح عدد المتابعين الذين يحظى بهم أحدهم على تويتر مقياساً للتأثير الاجتماعيّ وذا دلالة رمزيّة على المكانة. يقول “رادر”، مؤلف الكتاب المشار إليه آنفاً، إنّ حصول أحدهم على مليون من المتابعين لحسابه على تويتر يكافئ حصوله على بليون (وليس مليون) دولار. إذ هناك أكثر من 300 ألف مليونير في الولايات المتحدة وحدها، لكن في المقابل يوجد أقل من 3 آلاف حساب على تويتر بأكثر من مليون متابع لكل منها في العالم أجمع. لأجل ذلك، صار شراء المرء للمتابعين (سواء الحسابات الحقيقية أو الوهمية) نشاطاً تجارياً حقيقياً. ويشير “رادر” إلى أحد المواقع حيث يمكن لمن يرغب أن يشتري ألف متابع بسهولة مقابل 17 دولار (62 درهماً)، كما يُظهر تسلسلاً للبيانات يرجّح قيام “مت رومني” (مرشح الرئاسة الأمريكي السابق) أو موظّفيه بشراء نحو 20 ألفاً من المتابعين صبيحة يوم 22 يوليو 2012.
لكن ما الفائدة الفعلية لتويتر في الحياة الواقعية؟ من الأمثلة على ذلك، ما يحدث أثناء الكوارث، إذ تبيّن أنّ مسح التغريدات وبيان مصادرها على الخريطة مباشرة بعد حدوث زلزال هو ذو فائدة في الحصول على المساعدة والإغاثة وتعيين الأماكن التي تحتاج إلى ذلك بصورة أفضل مما لو تم الاعتماد على خرائط النشاط الزلزالي. إنّ تويتر، بما يوفّره من متابعة لأحوال الناس، إنما يمثّل قراءة تشخيصية فورية للمجتمعات على مستويات مختلفة.
وهناك فعاليات أخرى تظهرها بيانات تقرير الإعلام الاجتماعي العربي للعام 2014 تقوم بتحليل تغريدات وزارات الصحة والتعليم والخارجية في الإمارات العربية ودول عربية أخرى. وقد أظهرت تلك البيانات أنّ نشر المعلومات المهمة، والتواصل والاتصال مع الجمهور العام يكون فعّالاً جداً وفورياً في حالة استخدام تويتر.
وفي مجال التعليم، بدأ تويتر (وأدوات الاتصال الفوري المماثلة الأخرى) يمثّل تحدّياً لطريقتنا التقليدية في التفاعل مع الطلبة داخل الصفوف الدراسية وقاعات المحاضرات وخارجها. ويجب علينا، نحن المربّين والمدرّسين، استيعاب نمط الاتصال المتغيّر هذا ذي السمة القصيرة والسريعة (واللاذعة)، والعمل على دمجه ضمن استراتيجياتنا التعليمية.
وبخصوص ما يمكن للمرء أن يتعلمه من خلال تواصل الجمهور عن طريق تويتر، يمكنكم قراءة كتاب “تدفّق البيانات” (Dataclysm) للاطلاع على تحليل للمشهد الاجتماعي في الولايات المتحدة، أو انتظار مقال آخر لي حول المشهد على الساحة العربية.
ترجمة أ. بسمة ذياب لمقال نضال قسوم الصادر بجريدة غولف-نيوز يوم الثلاثاء 6 يناير 2015:
http://gulfnews.com/opinions/columnists/the-surprising-world-of-twitter-1.1436463