سنة الضوء

3 February 2015 , Educational Issues

لماذا اختارت اليونيسكو سنة 2015 كـ”عام الضوء” ؟

نضال قسوم
غولف نيوز – 29 يناير 2015 IYL Illustration GN

أطلقت منظمة اليونيسكو الأسبوع الماضي احتفالا تعليميا وثقافيا وعلميا بالضوء لمدة عام من مقرها بباريس. وأنا أعتقد أن اختيار الضوء كان ذكيا وجد مناسب للقيام بأنشطة متنوعة عبر العالم. اسمحوا لي ان أشرح لكم ذلك.

هل سبق لكم أن تأملتم في الجمال اللانهائي لألوان غروب الشمس الحمراء ؟ هل تساءلتم يوما لماذا السماء الزرقاء، ولماذا الغيوم بيضاء أو رمادية، ولم تكون أوراق الشجر خضراء، وكيف يتشكل قوس قزح، ولماذا تأتي النجوم والكواكب في ألوان مختلفة؟ هل سبق لكم أن تساءلتم حول عجائب أخرى في الطبيعة؟ الجميع يعلم بأن هذه الظواهر الجميلة هي نتيجة تفاعلات بين الضوء والمادة، وكثير من الناس يعرف أنها عبارة عن انعكاس وانكسار وتناثر للضوء، وأن الفيزياء والهندسة تلعبان أدوارا هاما في إنتاج تلك الظواهر، ناهيك عن دور أذهاننا (من خلال “الأوهام البصرية”). لكن قلة من الناس هم من يدركون الدور المركزي الذي يلعبه الضوء في حياتنا، من النشاط الاجتماعي والاقتصادي، خاصة في الطب والتكنولوجيا، وذلك بعد التقدم العلمي الهائل  التي حدث في هذا المجال في القرون القليلة الماضية.

يوضح المؤرخ توبي هوف في كتابه الأخير “الفضول الفكري والثورة العلمية” أن اختراع التلسكوب كان التطور العلمي الأهم قبل القرن العشرين. لم يتسنى لمعظم الناس النظر عبر تلسكوب، ولذا لن يفهموا لماذا يوضع هكذا في أعلى قائمة الإختراعات. إذ في الأخير، وكما أؤكد دوما لطلابي، ما التلسكوب إلا عدستان (أو مرآتان) تم وضعهما على مسافة مناسبة من بعضهما البعض، وجل ما يفعله التلسكوب هو تجميع أكبر كمية من الضوء من الأجسام البعيدة الخافتة. ولكن التلسكوب قد غيّر من نظرتنا إلى الكون؛ وفي ذات الوقت، أحدث شقيقه المجهر هو الآخر ثورة في علم الأحياء والطبيعة من حولنا. كل هذا ببساطة من خلال ايصال المزيد من الضوء إلى أعيننا. ثم بعد ذلك، أدى دمغ الضوء على بعض المواد الكيميائية إلى اختراع التصوير الفوتوغرافي (“فوتوphoto” تعني ضوء في اليونانية، و”غراف graph” تعني الرسم أو الكتابة)، وما حدث بعد ذلك كان أعظم…

في الواقع، إن التاريخ هو أحد الجوانب الهامة من الاحتفالات بالضوء لهذا العام. على وجه الخصوص، سيتم تسليط الضوء على الحسن بن الهيثم، فيزيائي القرن الحادي عشر العربي المعروف والذي غالبا ما يعتبر “أبو البصريات الحديثة”، إذ هذا العام يمثل الذكرى الألف لنشر كتابه العملاق (“كتاب المناظر”)، والذي أحدث ثورة في فيزياء البصريات (كيف ينتقل الضوء، وكيف ينعكس وينكسر ويكوّن الأشكال والصور) وكذلك علم الرؤية (كيف يدخل الضوء إلى العين، وكيف ينكسر من خلال عدسة العين ويشكّل الصورة على شبكية العين، وغير ذلك) . وقد نشر ابن الهيثم العديد من الكتب حول مختلف ظواهر الضوء، بما في ذلك “مقالة في ضوء القمر”، و”مقالة في ضوء النجوم”، و”مقالة في قوس قزح”، الخ.

وتتضمن احتفالية هذا العام زوايا تاريخية أخرى: الذكرى الخمسين لاكتشاف الاشعاع الكوني “الأحفورري”، ذلك “الضوء” المتبقي من الانفجار العظيم والذي لا يمكن لأعيننا أن تراه ولكن يمكن لأجهزتنا الكشف عنه وهو منتشر في جميع الاتجاهات في السماء (وكما هو معروف، يمكن لأعيننا أن ترى نطاقا محددا فقط من طيف “الضوء” الذي ينتج في الطبيعة)؛ الذكرى الـ150 لمعادلات ماكسويل، والتي لم تظهر فقط أن الكهرباء والمغناطيسية هما وجهان لنفس الظاهرة، بل أيضا أن أمواجها تنتشران بسرعة الضوء، أي أن البصريات ليست إلا جانبا آخر من جوانب الكهرباء والمغناطيس؛ والذكرى الـ200 لإثبات أن الضوء ظاهرة موجية، وذلك من طرف العالم الفرنسي فرينال (وقد تم في وقت لاحق إثبات أن الضوء ذو خاصية مزدوجة، أي يتصرف كموجات أو جزيئات حسب البيئة)…

ويعتبر الضوء اليوم ذو أثر استثنائي في حياتنا، من الاقتصاد إلى الثقافة، ومن الطب الى العلوم والتكنولوجيا. وقد قدر سوق الضوئيات (التكنولوجيا المرتبطة بالضوء) عالميا بـ400 مليار دولار، ويتوقع أن يتضاعف هذا المبلغ في الخمس سنوات المقبلة!

وقد صارت أشعة الليزر، التي اخترعت قبل 55 عاما، والألياف البصرية ، التي اخترعت منذ نحو 40 عاما، وأجهزة الضوء/المصابيح LED، والتي سمح تطويرها لبعض العلماء على الحصول على جائزة نوبل في الفيزياء عام 2014، صارت جميعها متواجدة حولنا في كل مكان. هل تساءلتم كيف لأشعة الليزر (القوية) أن تبقى رفيعة على طول الطريق من والى القمر؟ كيف يمكن لشعاع ليزر صغير أن يقرأ آلاف الكتب على قرص صغير (DVD)؟ وكيف أصبح الليزر أساسا للكثير من العمليات الطبية، من القسطرة الى جراحة الليزك؟ وكيف غزت تلك المصابيح الصغيرة LED بيئتنا، من شاشات التلفزيون الى أضواء السيارات وإعلانات الطرق السريعة؟

كما أن الضوء يلعب أدوارا هامة في حياتنا الثقافية، من الإضاءة الإبداعية في الأماكن المختلفة (داخل المباني وخارجها) الى استخدام الزجاج الملوّن (مثلا في النوافذ الملونة)، وبالطبع في التصوير الفوتوغرافي والسينمائي.

ولكل هذه الأسباب، فإن اليونسكو قد عقدت شراكة مع أكثر من 100 مؤسسة في 85 بلدا لتنظيم مجموعة متنوعة من الأنشطة التعليمية والتوعوية حول الضوء طوال عام 2015. وهي تهدف من خلال ذلك إلى رفع مستوى الوعي حول الدور الذي يلعبه الضوء (الطبيعي والإصطناعي) في حياتنا اليوم، والتطورات الكبيرة التي شهدها العلم وتكنولوجيا في هذا المجال خلال العقود القليلة الماضية.

لقد كان الضوء فعلا خيارا رائعا كموضوع مركزي لعام 2015. وما أتمناه هو أن يستمتع الجميع ويتعلموا كثيرا من خلال عام الضوء هذا.

ترجمة أ. جولفدان العباسي لمقال نضال قسوم الصادر بجريدة غولف-نيوز يوم الخميس 29 يناير 2015:

http://gulfnews.com/opinions/columnists/why-2015-is-the-unesco-year-of-light-1.1448116