لا تسمح لـجوجل بتضييق آفاقك

25 December 2014 , Educational Issues

لا تسمح لـ”جوجل” بتضييق آفاقك…

نضال قسوم
غولف نيوز – 18 ديسمبر 2014
Google page
لقد صار “جوجل” اليوم، بإمكانياته الإستثنائية لتوفير المعلومات (الصحيحة في معظمها) خلال رمشة عين، قاتلا لعملية الإكتشاف..

الجميع يعرف زر جوجل “ضربة حظ” الموجود بجانب الزر الاعتيادي  “بحث جوجل”، مما يمكّن الفرد من الاختيار ما بين السماح لجوجل بتقديم “أفضل” الردود أو عرض جميع الروابط التي المناسبة للمعلومة المطلوبة أو السؤال المطروح. بل إن بعض المتصفحات تأخذك مباشرة الى الإجابة “الأفضل”. وبالنسبة لبعض الاستفسارات، مثل “من هو رئيس الهند؟”، فإن جوجل يعطيك الجواب (براناب موخرجي)، ببنط عريض وداخل إطار، مع صورة للرئيس معنونة بـ”رئيس، الهند”، زيادة في التأكيد.

بل إن جوجل وحتى قبل الانتهاء من كتابة سؤالك (“من هو رئيس…”) يقترح عليك بعض الإمكانيات لما تبقى من السؤال، مثل: “… الهند”، “… دولة الإمارات العربية المتحدة”، “… كندا”، وحتى “… المملكة المتحدة”!). لكن لماذا هذه الخيارات على وجه التحديد؟ لماذا لا يقترح “… الصين”، “… فرنسا”، أو غيرها؟

هنا يصبح الموضوع أكثر إثارة وأهمية وذا إشكالية، فاعتمادا على موقعك الجغرافي، وجهاز الكمبيوتر الذي تستخدم (وما تم من بحث من خلاله في السابق)، والحساب الذي تستخدمه (بريد جوجل مثلا) ، فإن جوجل يقوم بتتبع أبحاثك (وأبحاث الآخرين من حولك) وأنشطتهم على شبكة الانترنت ، مما يؤدي به الى إعطاء أجوبة مختلفة لنفس الاستفسار من هنا أو هناك. يعتقد جوجل بأنه بذلك يوفر عليك الوقت من خلال “معرفة” اهتماماتك، خياراتك، وحتى نوايا بحثك. ولكنه بفعله ذلك فإنه ببساطة يقوم بتضييق مدارات فكرك وآفاقك.

لم أقم مطلقا باستخدام زر “ضربة حظ” ذاك، على الرغم من أنني أعلم أنه يمكن أن يكون فعّالا جدا في الحصول على إجابات سريعة وصحيحة. بالنسبة لي لطالما رأيت ذلك الزر كخيار الشخص الكسول وغير الفضولي. وفي الواقع، فإني أريد الحصول على قائمة من الروابط المقترحة، ولا أنقر على أي منها حتى أتفقد (بسرعة) الخيارات العشرة الموجودة في الصفحة الأولى على الأقل. ففي الكثير من الأحيان ألمح شيئا لم أكن أبحث عنه: مؤلف لا أعرفه، موقع جديد مثير للاهتمام، خبر فاتني مؤخرا، الخ.

ببساطة، لا أريد أن يأخذ جوجل فرصي في اكتشاف أشياء جديدة. أريد أن أبقي على تجربة التصفح والاكتشاف، تماما كما أحب دوما تصفح رفوف مكتبة ما أو ممرات محل بيع الكتب، منتظرا لكتاب ما أن يلفت نظري، معطيا لي فرصة تصفح محتوياته، والبحث عن كتب أخرى لذات المؤلف أو في الموضوع ذاته ، الخ.

لقد صار “جوجل” اليوم، بإمكانياته الإستثنائية لتوفير المعلومات (الصحيحة في معظمها) خلال رمشة عين، قاتلا لعملية الإكتشاف. بل إنه يقتل ميولنا لطرح الأسئلة. إذ إن جوجل لا يقوم فقط باكمال سؤالك قبل أن تكمل صياغته، بل إنه يعمل على تحديد سؤالك بإعطائك إجابات سريعة، قصيرة، بلا جهد. وفي بعض الأحيان يقوم بوضعها ضمن إطار، معلنا لك نهاية عملية البحث!

ولكن الحصول على هذا النوع من الإجابات السريعة، القصيرة النهائية لأسئلتنا عن طريق استخدام الهواتف الذكية، يقتل أي نقاش، إذ ما على المرء إلا البحث في جوجل عن السؤال المطروح الإعلان: “ها هو ذا، أنظر، يقول…” وهكذا تنهى المناقشة.

ويتنبأ الرئيس التنفيذي لشركة جوجل أنه في يوم ما، ليس بعيدا جدا في المستقبل، سيتم زرع رقائق في أدمغتنا، تسمح بالحصول على الإجابة على أي سؤال يخطر في بالنا مباشرة. حتى أن مفهوم “السؤال” سوف يختفي، حيث أن الفترة الزمنية بين الفكرة التي تخطر ببالك والإجابة ستنخفض لتصل الى الصفر تقريبا.

إيان ليسلي، مؤلف الكتاب الذي تم نشره مؤخرا والمثير للإنتباه، “الرغبة في المعرفة والسبب في اعتماد مستقبلك عليها”، يبيّن أن عدم معرفتنا لجواب سؤال ما هو ما يقودنا الى بحث أعمق في الموضوع ذاته، مما يزيد من معرفتنا في الموضوع وعدم الرضى بالحد الأدنى من المعلومات في مسألة معيّنة. لكن جوجل بتقديم معلومات محددة حول موضوع ما قد جعلنا نجهل مدى جهلنا…

لقد قدّر بول هاريس، وهو أستاذ في جامعة هارفارد، أن الأطفال بين 3 و 5 سنوات يطرحون ما يقارب ال 40 ألف سؤال. إننا نولد فضوليين وبفطرة طرح الأسئلة؛ فنحن نعرف منذ صغر سننا بأن أمامنا عالم من الأشياء يمكننا تعلّمها واكتشافها. ولكن، كما أظهر علماء النفس التربوي، فإن مجتمعنا يقتل هذا الميول تدريجيا، فنصبح مقتصرين على طرح “الأسئلة الصحيحة” حين نكبر. ولكن الأسئلة يجب أن تبقى مفتوحة، وأن تطرح بطرق مختلفة، وأن تعطى وقتا حتى تنضج. فالأسئلة تكون أكثر فعالية حين تتفرع الى سلسلة من الأسئلة. هكذا تولد الأفكار الجديدة ويحدث الإبتكار في أفضل الظروف.

لقد قام كل من جوجل وشبكة الإنترنت بخلق معضلة ضخمة للمعلمين. ما الذي يجب أن يدرّس في زمن باتت فيه جميع المعلومات على بعد بضع نقرات؟ هل نعمل على تعليم “المهارات” التحليلية والتفكير النقدي والخبرات الإبداعية دون أن نرتكز على قاعدة صلبة من المعلومات؟ ما الحد الأدنى من المعلومات التي يجب أن يمتلكها الطالب/ة في عقله/ها والتي سوف يحتاجونها للقيام بمهام أكثر تقدما؟ ألا يمكن للهواتف الذكية المتصلة بجوجل أن تكون كقرص صلب خارجي بالنسبة لأدمغتنا حيث يتم تخزين كل المعلومات الضرورية هناك (على الوب) ؟

هذه الأسئلة الصعبة يجب أن نضعها صوب الاعتبار، حيث أن جوجل قد أصبح مهيمنا على المعلومات وفي كل مكان. بالتأكيد، لا يمتلك جوجل إجابات على هذه الأسئلة المصيرية، فهي لا تقبل الإجابة بتلك الطرق المختصرة و”المؤطرة”!

وبينما نقوم نحن باستكشاف ومناقشة هذه القضايا، علينا أن نزرع في أطفالنا وطلابنا عادة طرح الأسئلة. يجب أن يكون جوجل مجرد نقطة انطلاق لعملية البحث وليس خزّانا للإجابات السريعة. يجب أن نتعامل مع شبكة الانترنت كمجال ضخم للاكتشاف، وليس كوجهة لإجابات سريعة ومحددة.

ترجمة أ. جولفدان العباسي لمقال نضال قسوم الصادر بجريدة غولف-نيوز يوم الخميس 18 ديسمبر 2014:

http://gulfnews.com/opinions/columnists/don-t-let-google-narrow-your-mind-1.1428276