هل تزايدت وتيرة سقوط الطائرت (المدنية)؟
8 August 2014 , Educational Issues
هل تزايدت وتيرة سقوط الطائرت (المدنية)؟
رغم أن سنة 2014 تعتبر بالفعل سنة مشؤومة، سجلت خلالها أكثر من 500 حالة وفاة إلى حد الآن، كانت الفترة الممتدة بين أبريل و يونيو 2014 فترة خالية من أي حادث مميت في ما يشمل الرحلات الجوية التجارية.
قبل بضعة أسابيع، سقطت 3 طائرات خلال 8 أيام، مما أدى إلى فقدان 462 شخصا. أكان هذا مجرد صدفة مأساوية فريدة من نوعها؟ أم كان الأمر أكثر من محض صدفة؟ كم من مرة يمكن لمثل هذه السلسلة من الحوادث أن تقع استنادا إلى بيانات وإحصاءات؟ والأهم من ذلك، هل يجدر بنا فعل أي شيء حيال الأمر؟
فور حدوث تلك السلسلة الكارثية المتتالية، عمّ الخوف والقلق المواقع الاجتماعية مثل فايسبوك و تويتر وغيرهما من منتديات الانترنت. بل إن الكثير تساءلوا عما إذا كان يجدر بهم إلغاء رحلاتهم الجوية “حتى تتضح الأمور”، وتساءل آخرون أي شركات طيران هي الأكثر أمانا و أيها أكثر عرضة للحوادث.
مسكينة شركة الخطوط الجوية الماليزية لما شهدته هذه السنة، مع اختفاء طائرة الرحلة MH 370 في مارس الماضي وإسقاط طائرة الرحلة 17 MH فوق أوكرانيا يوم 17 من يوليو. لكن هاتين الكارثتين تفرض علينا ضرورة توضيح أن حوادث الطائرات تختلف اختلافا كبيرا من حيث أسبابها وخصائصها. ففي الواقع، سقطت طائرة MH 17 إثر قصفها بصاروخ فوق منطقة حرب. أما طائرة الرحلة MH 370 فقد اختفت لأسباب لا تزال مجهولة. و أما الحادثتان الأخريان في شهر يوليو (الخاصتان بشركة تايوان ترانس-آسيا إيرويز والخطوط الجوية الجزائرية) فتعودان إلى الأحوال الجوية.
رغم ذلك فإن ردة فعل الكثيرين تجاه مثل هذه الحوادث تكون غير عقلانية. فخلال الأسابيع التي تلت حادثة 11 سبتمبر بأمريكا، اختار عشرات الآلاف من الناس التنقل برا بدل الجو، وهو ما أسفر عن 1000 حالة وفاة زيادة عن المعتاد، نظرا إلى أن لحوادث السيارات أخطار مميتة أكثر بكثير من حوادث تحطم الطائرات. بيد أنه نظرا إلى قلة وعي الناس بهذه الإحصاءات من جهة، وإلى الفرق في العوامل النفسي بين قيادة السيارات وركوب الطائرات من جهة أخرى، فإن ظاهرة الخوف من الطيران قد انتشرت، وهي حالة من القلق تعرف بـ”رهاب الطائرات” (ما يسمى بالإنجليزية “aviophobia”)، والتي يعاني منها واحد من كل 10 أشخاص (وقد تفاجأت من هذه الإحصائية، لكن ليست لدي أي طريقة لفحص بشكل مستقل). ويبدو أن هذا التخوف يعود بالأساس إلى تجارب يكون الشخص قد مر بها خلال الطفولة (رحلة جوية سيئة، حديث أحد الأقارب عن رحلة جوية مخيفة، تقرير تلفزيّ مثير للانتباه، فلم مرعب، إلخ.)، والتي تتطور لتصبح رهابا فيما بعد…
وقد ربط الأخصائيون النفسيون الخوف من الطيران بصعوبات التعامل مع الضغط النفسي وكذلك بشخصية وانفعالية الفرد. وهنا تبرز مسألة “التّحكم”، وهي ربما الأهم في المسألة. فسائق السيارة يشعر بأنه يسيطر على الأمر، مما يعطيه انطباعا بأن الخطر ضئيل، في حين أنه على متن الطائرة لا يتحكم المسافر بأي جانب من الرحلة، مما يزيد المخاوف لديه بطريقة لا واعية. ومن أشهر حالات رهاب الطائرات لاعب كرة القدم الهولندي دينيس بيرغكامب (Dennis Bergkamp) الذي لقب على سبيل الدعابة بـ” الهولندي الذي لا يطير”، والذي كان يتخذ القطار بين المدن ليشارك في مباريات فريقه، مفوّتا أهمها على نفسه أحيانا، حين تكون المسافة أطول من أن تقطع في وقت قصير على متن القطار.
لكن ما هي احتمالات تحطم الطائرات، وخاصة حدوث سلاسل من حوادث سقوط الطائرات؟
لقد أدت تقنيات الطائرات المدنية وإجراءات فحوصات السلامة الصارمة التي تعتمدها الخطوط الجوية إلى تحسن عظيم في إحصائيات السلامة للرحلات الجوية. فقد تم تسجيل 35 حادث بين سنتي 1968 و1969، و34 حادث بين سنتي 1972 و1973، في حين سجل معدل 9 حوادث في السنة خلال الفترة الممتدة بين 2004 و 2013 من أصل أكثر من 30 مليون رحلة في السنة. وتتباين بعض السنوات والأشهر في ما بينها في ما يتعلق بنسبة الحوادث، فسنة 1985 شهدت 27 حادث سقوط طائرات، أسفرت عن 2500 حالة وفاة، وهي أرقام مروعة. وفي سنة 1966 تزامن حادثان خلال 24 ساعة في مطار “هانيدا” (Haneda) بطوكيو. فهذه هي طبيعة الأحداث العشوائية وغير القابلة للتنبؤ: فهي تحدث بوتيرة متساوية تقريبا إذا قيست على فترات طويلة وعلى مساحات شاسعة، ولكن قد تحدث في سلسلات متتالية هنا أو هناك خلال فترات وجيزة.
لكن ولطمأنة الجميع، يجدر بي أن أذكر كون سنة 2013 كانت الأكثر سلامة على الإطلاق: فقد سجّلت 210 حالة وفاة من بين 3 بلايين مسافر، وهي نسبة تعدّ منخفضة جدا، رغم أن كل خسارة بشرية هي مأساة بلا شك. ورغم أن سنة 2014 تعتبر بالفعل سنة مشؤومة، إذ سجّلت لحد الآن أكثر من 500 حالة وفاة، إلا أن الفترة الممتدة بين أبريل و يونيو 2013 كانت خالية من أي حادث مميت في ما يشمل الرحلات الجوية التجارية. ثم أتت ثلاث حوادث على التوالي !
إذن إلى أي درجة يعتبر سقوط 3 طائرات في ظرف 8 أيام شيئا نادرا؟ حدد البروفيسور ديفيد سبيجلهالتر David Speigelhalter ، وهو أستاذ في توعية المجتمع بالأخطار بجامعة كامبريدج، نسبة سقوط 3 طائرات في ظرف 8 أيام بـ 1 بالألف، أو بما يعادل نسبة 60 % على مدى 10 سنوات. إذن، الأمر ليس على درجة عالية من الندرة !
رغم ذلك فقد يتساءل القرّاء ما إذا كان بالإمكان فعل شيء حيال الأمر، على الأقل للتخفيف من الخطر! أما الخطوط الجوية، فعليها إجراءات المراقبات الدورية بصارمة كبيرة، وقد بيّنت دراسة حديثة لخبير الإحصائيات “نيت سيلفر” Nate Silver أن بعض الخطوط الجوية تظهر بالفعل سجلّات عالية من السلامة، أحسن من شركات أخرى. وأما بالنسبة للمسافرين، فيجب على الفرد أن يطمئن أولا إلى أن الرحلات الجوية تعتبر عالية السلامة (مقارنة بعديد الأمور الأخرى التي قد يواجهها المرء في الحياة)، لكن إن أصر البعض على الاحتياط، فإن المقاعد الخلفية للطائرة والأقرب إلى بوابات النجدة تعدّ الأكثر أمانا، وأحزمة الأمان المشدودة بإحكام والحرص على التقيّد بتوصيات السلامة تزيد من فرصة نجاة المسافر في حال حصول حادث تحطم للطائرة. و يبقى التفكير الإيجابي ورد الفعل الهادئ والحكيم، رغم ذلك، أهم النقاط في كل الحالات.
إن من شأن اكتساب المعرفة بعمليات الطيران وإجراءاته و كذلك الإحاطة ببعض الإحصاءات والاحتمالات أن يساعدانا في اتخاذ القرار الصائب قبل الحوادث و إثرها. فالسلوك اللاعقلاني لا يعالج إلا بالتعلّم.
ترجمة أ. أمل بن سعيد لمقال نضال قسوم الصادر بجريدة غولف-نيوز يوم الخميس 7 أغسطس 2014: http://gulfnews.com/opinions/columnists/are-planes-crashing-more-frequently-1.1367875