هل ستشرق الشمس قريبا من الغرب؟

5 November 2014 , Educational Issues

هل ستشرق الشمس قريبا من الغرب؟
نضال قسوم

انتشرت مؤخرا شائعات مفادها أن وكالة ناسا “أعلنت” أن المجال المغناطيسي للأرض سوف ينقلب في أي يوم الآن، وبذلك سيصبح الشمال جنوبا، والشرق غربا. وبالتالي ستشرق الشمس من المغرب! وتأتي تلك الشائعات دوما بتذكير بأن شروق الشمس من الغرب هي واحدة من العلامات الكبرى ليوم القيامة

من السهل إذن تصوّر وفهم المدى الواسع الذي وجده هذا “الخبر” من اهتمام بين الجمهور، ومدى انتشاره عبر وسائل الإعلام الاجتماعي (تويتر وفيسبوك خاصة).

ما هي القصة (الحقيقية)؟

إن للأرض مجالاً مغناطيسياً ينتج بفضل التيارات الكهربائية التي تكوّنت في قلب كوكبنا بسبب دورانه حول نفسه بسرعة معتبرة (مرة كل 24 ساعة)، وخاصة بسبب وجود كميات كبيرة من الحديد المصهور وغيره من المعادن المتدفقة. لكن تلك التيارات غير منتظمة تماما أومستقرة، مما يؤدي الى تغيّر تدريجي في التوزيع الجغرافيّ وفي شدة المجال المغناطيسي. كما أنّ عدم استقرار تلك التدفقات والتغيّرات على مدى فترات طويلة يؤدي إلى انقلاب كامل في مجال مغناطيسي.

وبالفعل، على مدى التاريخ الجيولوجي للأرض (4.5 مليار سنة)، حدثت مئات وربما آلاف من الانقلابات للمجال المغناطيسي، إذ إنها تحدث كل نصف مليون سنة في المعدّل. وتُظهر السجلات الجيولوجية أن أحدث انقلاب حصل منذ 786000 سنة. ولما كان الجيولوجيون قد لاحظوا تناقص شدة المجال المغناطيسي للأرض في الآونة الأخيرة، فقد تنبؤوا بقرب الانقلاب المقبل، أي خلال ألف سنة أو ربما 10 آلاف سنة.

لكنّ الأمور أخذت منعطفا مثيرا في شهر يونيو الماضي، وذلك عندما قُدّمت قياسات جديدة من وكالة الفضاء الأوروبية (عن طريق أقمارها الصناعية “سوورم”) في مؤتمر علمي في الدنمارك، وأظهرت تلك القياسات أن تضاؤل المجال المغناطيسي قد تسارع، إذ صار يتناقص الآن بمعدل 5٪ في كل عشر سنوات بدلا من كل قرن! وبالتالي، يمكن أن يحدث الانقلاب خلال الـ100 سنة المقبلة بدلا من آلاف السنين. وهذا ما أدّى إلى التقارير الإعلامية الرنّانة بأن  المجال المغناطيسي للأرض على وشك الانقلاب وأن الشمس ستشرق من الغرب قريبا!

لكن لا بد أولا من التأكيد على أن الباحثين لم يعلنوا حتى أن المجال المغناطيسي سينقلب، بل نوّهوا فقط أن ذلك ممكن خلال السنوات المئة القادمة. ففي الواقع، تشير السجلات الجيولوجية أنه في بعض الأحيان يضعف المجال المغناطيسي ويتذبذب عند مستوى منخفض لآلاف السنين قبل أن ينعكس أو أن يعود قويا مرة أخرى. وحتى عندما ينقلب، يستغرق ذلك حوالى قرن من الزمن! ثم إن الانعكاس لا يعني بالضرورة تلاشي المجال تماما قبل أن ينقلب، إذ تُظهر المُحاكاة للعملية أن المجال سيصبح فوضويا، فتظهر أقطاب magnetic-field-closeمتعددة على كوكب الأرض…

والسؤال المطروح أيضاً هو: هل سيكون لذلك الانقلاب أي تأثير سلبي على البشر والحياة على الأرض؟ من المعروف أن المجال المغناطيسي يشكّل درعا لنا من الجسيمات المشحونة السريعة التي تقذفها الشمس في هيجاناتها وانفجاراتها. لذلك فإن تلاشي المجال المغناطيسي أو اختفاءه من شأنه، مبدئيا، أن يعرّضنا الى الإشعاعات المؤينة، مما يؤدي إلى حدوث طفرات جينية وحالات سرطان كثيرة.

ولكن من جهة أخرى، لا تُظهر السجلات الجيولوجية والحفرية أي انقراضات للحيوانات متوافقة مع تواريخ الانقلابات المغناطيسية. لا شك أن بعض الحيوانات الحساسة، وحتى بعض البشر، سيتأثرون بضعف المجال المغناطيسي، لكن لا يتوقع العلماء أي كوارث على نطاق واسع.

وأخيرا، إذا حدث انقلاب للمجال المغناطيسي للأرض، هل ستشرق الشمس حينها من الغرب؟

لا يمكن القول بذلك لأن شروق الشمس من الشرق وغروبها في الغرب إنما هو حركة ظاهرية يسبّبها دوران الأرض حول محورها من الغرب إلى الشرق، ولا علاقة لذلك بالإتجاهات المغناطيسية. وعلماء الفلك يعرّفون الاتجاهات ويحددونها وفقا لتوزيع النجوم والأبراج المحيطة بنا في السماء. وبما أن دوران الأرض لن يتغير إذا حدث انقلاب للمجال المغناطيسي للأرض، فسيظلّ طلوع الشمس (الظاهري) يحدث من نفس الاتجاه، أي الشرق الجغرافي!