End-of-School-Year
15 June 2015 , Educational Issues
أفكار وخواطر مع انتهاء السنة الدراسية
ها هي سنة دراسية تنتهي، لكل من الطلبة والمدرسين. ما يتطلع إليه الكثير من الطلبة هو فقط الاسترخاء بعد الامتحانات، والتحرّر من الإيقاع الضاغط للمحاضرات والواجبات والاختبارات.
وبالنسبة للطلبة الخريحين، هذا زمن الانتقال من حياة لأخرى (من الحياة الدراسية إلى الحياة المهنية، موظفاُ أو صاحب مشروع)، أو هي وقفة بين مرحلة دراسية وأخرى..
في هذا المقام يكتنف الطلبة شعور مزدوج: حنين للّحظات الرائعة التي عاشوها وللعلاقات التي كوّنوها خلال سنوات دراستهم، وقلق تجاه ما تخبئه الحياة الآتية لهم، حياة ذات استقلالية ونضوج أكبر. ولهذا فسوف أخصّص بعض الكلمات للطلبة الخريجين أدناه.
أما المدرّسون فهم يحتاجون كذلك لفسحة من الراحة، لكنهم يشعرون بالواجب للتأمّل في السنة التي انقضت للتوّ وتقييمها. ويضع الأساتذة في حسبانهم كذلك أن لديهم بعض الأعمال المؤجلة (غالبا مقالات أو كتبا على قائمة القراءة أو التأليف) وخطط العام التالي التي يجب البدء بتنسيقها. كما أن هناك تقارير تقويم المساقات، سواء ما كان منها ضمن متطلبات العمل أو ما كان لغايات التطوير المهني، حيث يتم في هذه التقارير معاينة الكتب الدراسية التي تم استخدامها، والأساليب التدريسية التي تم تطبيقها، والامتحانات، وغيرها من الأدوات التعليمية.
لكن بالنسبة لي، فإن أهم الأسئلة المطروحة في تقييمي للسنة الدراسية هي: ما أهمّ الأمور التي تعلمتها هذا العام، وخاصة من طلبتي؟ ما هي اللحظات أو المواقف أو الأعمال التي أعطتني إلهاما أو سعادة ومتعة خاصة في تدريسي خلال هذه السنة؟ واعتمادا على خبرة هذه السنة، ما الذي سأغيّره في تدريسي؟ وما الذي آمل أن يتذكره طلبتي مني ومن المساق الذي درّستهم إيّاه؟
لعلّ أكثر انطباع صادم أعطاني إيّاه طلبتي هذا العام هو إدمانهم على هواتفهم الذكية. إنها سمة الزمن، ومؤشر على نمط اتصالاتنا وارتباطاتنا اللحظية والعنكبوتية التي تجمعنا والتي تزيد من إحساسنا بضرورة البقاء على اتّصال ومتابعة كلّ شيء أولا بأول.
إن الناس اليوم ينسون محافظهم الشخصية بسهولة، ولكن نادرا ما ينسون هواتفهم الذكية. وإن للأمر تأثيرا مهمّاً في مجال التعليم، إذ صار الطلبة يستخدمون هواتفهم لتسجيل محتويات المحاضرات، إما بتصوير الصفحات أو اللوحات في قاعات التدريس أو بالتسجيل الصوتي للمحاضرات…
لكن هذه الظاهرة تمثل أيضا أعراضا وتجليات لقلة التركيز وضعف الانتباه لدى الجيل الصاعد، وتفضيلهم لنمط الاستسهال لدرجة يظهر معها عدم قدرتهم على التحكم بأذهانهم. لكن، وكما أقول للشباب دوما، يمكن للمرء أن يحقّق نتاجا نوعيا مميزاً فقط بتخصيص وقت طويل وبذل جهد عقلي كبير، فالاكتشافات والاختراعات والرؤى القيّمة لا يمكن أن تتأتّى في قطع قصيرة من الزمن.
في المقابل، فإنني كثيرا ما أعجب بالمدى الواسع والكم الكبير من المعارف التي يحوزها كثير من الطلبة في أيامنا هذه، ولو أنه في بعض الأحيان تظهر فجوات كبيرة في الرصيد المعرفي لديهم، لدرجة أنني أجد نفسي أسألهم مستغرباً: ” أحقا لم تسمعوا بهذا ؟”. من الواضح إذن أن دهشتي لها وجهان.
أما عن نفسي فإن شيئا جديدا طبقته للمرة الأولى هذه السنة وسأحاول أن أكرّره أكثر مستقبلاً وهو استخدامي لتقنية “الناقرات” (clickers)، وهي أدوات للتصويت من طرف الطلبة على أسئلة محددة، وهي في الحقيقة طريقة لاختبار مدى استيعابهم لموضوع ما. ولقد لمست كم استطاعت هذه الوسائل الصغيرة أن تشدّ انتباه الطلبة أفراداً أو في مجموعات صغيرة أو كفصل كامل. بهذه التقنية يمكن الكشف فورا عن النواحي التي تحتاج المزيد من الإيضاح والتصويب من قبل المدرّس. وإنّي أراها من أكثر الوسائل التعليمية الحديثة تأثيرا ومساهمة في رفع التحصيل العلميّ لدى الطلبة.
إنّ أكثر ما يمكن أّن يملأني بالحبور هو تعبير طلبتي في نهاية الفصل الدراسي عن مدى سعادتهم لأخذهم ذلك المساق التدريسيّ معي. وما آمله حقا أن يتذكّروا مدى روعة شعور المرء بفهم شيء ما عن العالم والطبيعة والكون، والشغف الذي يمكن أن يملأ المرء تجاه ما يدرس. وكما أقول لهم من وقت لآخر، إنّ أفضل ما يمكن أن أسمعه من طلبتي هي عبارة “آها…”، التي تنبئ عن توصّلهم لفهم فكرة ما…
للطلبة الخريجين على وجه الخصوص، ولباقي الطلبة عامة، فإنّ أمنيتي الكبرى هي أن تكون الرغبة في التعلّم قد تجذّرت في وجدانهم ولباقي العمر. ما أتمناه أنهم، ومن خلال ما تعلّموه حتى الآن، قد أدركوا قيمة وجمال المعرفة، وقوة وتأثير العلم، وروعة ومعنى الفن، وقوة المنطق والتفكير النقدي، والأهمية القصوى لإرادة الإنسان.
ولأولئك الذين يتخرجون اليوم وينتقلون لمرحلة جديدة من الحياة، أودّ التأكيد على أهمية فضيلتين كثيرا ما يفوتنا التركيز عليهما خلال تدريسنا، تلكما: التواضع والعطاء. التواضع بأن نذكّر أنفسنا باستمرار أننا لا نعرف سوى القليل وأننا معرّضون للخطأ والقصور. أما العطاء فهو أن لا يغيب عن أذهاننا أننا في هذا القارب نتشارك مع الآخرين، وأننا كثيرا ما نكون أوفر حظا من كثيرين، بحياة رغيدة وسهلة، ما يوجب علينا أن نساعد غيرنا بكل ما نستطيع.
وختاماً، فإن الطلبة عادة ما يطلبون مني نصيحة حول المجال أو الطريق الذي يفضّل أن يسلكوه ، ولا أجدني أقول لهم سوى: اتّبعوا ما تحبّون وترغبون.. وإن النجاح سيأتي عاجلا أو آجلا…
ترجمة أ. بسمة ذياب لمقال نضال قسوم الصادر بجريدة غولف-نيوز يوم الخميس 11 يونيو 2015:
http://gulfnews.com/opinion/thinkers/thoughts-at-the-end-of-school-year-1.1532718