Hal-nahnu-wahidun

24 December 2017 , Educational Issues

هل نحن وحيدون؟ قد نعرف ذلك قريبا

نضال قسوم

Are we alone

مع تزايد الكواكب الخارجية المكتشفة (خارج نظامنا الشمسيّ) في السنوات الأخيرة، فإنّ السؤال “هل نحن وحيدون” أو على الأقل “هل ثمة  حياة في مكان آخر” قد عاد إلى الواجهة بقوّة..

في البداية، عليّ أن أؤكّد أنّ هذين السؤالين يختلفان عن بعضهما إلى حدّ بعيد: فالأول يسأل عمّا إذا كان هناك حياة عاقلة أخرى في الكون؛ أما الثاني فيسأل فقط عن وجود شكل من الحياة حتى لو من النوع الأبسط (بكتيريا أو طحالب أو ما شابه ذلك)، خارج كوكبنا..

إننا  نعرف الجواب على السؤال الأول داخل نظامنا الشمسي: بالتأكيد لا وجود لحياة عاقلة في جوارنا، على أيّ من الكواكب أو الأقمار أو الكويكبات. بل إن الكثير من العلماء، وأشاركهم في ذلك، مقتنعون بأن لا حياة عاقلة أخرى  في مجرّتنا درب التبّانة، ولو أننا لا نجزم بذلك إطلاقا. وتأتي قناعتنا تلك لأنه عند أخذ عمر مجرّتنا وحجمها الكبيرين بعين الاعتبار، فإنّ أيّ جنس عاقل لو وجد لكان بلغ من التقدم التكنولوجي ما يجعله قادرا على الانتشار في أرجاء المجرة، على الأقل عن طريق الروبوتات، وكلّ ذلك يترك آثارا تسمح لنا أو لآخرين بالكشف عن ذلك الجنس العاقل المتقدّم.

أما جواب السؤال الثاني، عمّا إذا كان هناك أيّ حياة في مكان آخر، فهو غير معروف بتاتا، حتى داخل نظامنا الشمسيّ. لقد هبطت مركباتنا ومسابيرنا الفضائية على القمر والمريخ والزهرة وتيتان (قمر زحل) والمذنب تشوري، وقد عمّقت البحث عن أيّ علامات على الحياة، لكن لم نجد بعد حتى خلية واحدة..

يعتمد العلماء اليوم عدة طرق للبحث عن الحياة، المتقدمة أو البدائية. ففيما يخصّ الحياة العاقلة، نواصل مسح السماء لالتقاط أيّ إشارة راديو أو ليزر ذات خصائص ذكية تشير إلى جنس متقدّم. أما بشان الحياة البدائية، فضمن نظامنا الشمسيّ نواصل إرسال المركبات الفضائية المزوّدة بالمعدّات لإجراء مسحات للكواكب والأقمار والكويكبات والمذنّبات بحثاً عن الغازات التي يمكن أن تشير إلى عمليات حيوية.  وبالنسبة للـ 3700 كوكب خارجيّ التي تمّ اكتشافها حتى الآن، فإنّنا نعدّ تلسكوبات ضخمة مدعومة بأجهزة يمكنها الكشف عن بصمات للحياة، أي غازات (مثل الأكسجين والأوزون) في الأغلفة الجوية لتلك الكواكب لا يمكن تفسيرها بغير وجود حياة تحتها.

لقد قطعنا شوطا بعيدا في استكشاف كلّ من نظامنا الشمسي ومجرّتنا في العقود القليلة الماضية. فقد تمّ اكتشاف أول كوكب خارج المجموعة الشمسية قبل 25 عاماً، والآن لدينا الآلاف منها. ولفهم معنى هذا الإنجاز، فلنتذكّر أنّ كوكباً مثل الأرض يبدو أصغر بعشرة آلاف مرة من النجم الذي يدور حوله، وأنّ النجوم البعيدة تظهر مثل النقاط في السماء حتى عندما يُنظر إليها من خلال التلسكوبات الكبيرة. لكننا قمنا بتطوير تقنيات رصد وكشف بارعة، ولذا فإنّ بمقدورنا اليوم تطبيق ما كان يعتبر لزمن طويل تحدّياً بحثياً ضخماً.

إننا اليوم في لحظة تاريخية استثنائية: ففي السنوات القليلة القادمة (من خمس إلى عشر على الأكثر)، سيكون بمقدورنا تحديد ما إذا كانت هناك حياة، في شكلها الأساسيّ على الأقل، في مكان آخر في المجرة، ومعرفة مدى انتشارها. وإذا اكتشفنا بصمات كيميائية للحياة في مكان ما، فإننا لن نعرف أيّ نوع من الحياة ستكون، أهي مبنية على نفس الكيمياء الحيوية  التي تقوم عليها الحياة على الأرض، وهل تقوم على الحمض النوويّ، أم أنها مختلفة جوهريا، ولكن سيكون الاكتشاف تاريخيا رنّانا.

بالفعل، إذا وجدنا حياة ما في مكان خارج كوكبنا، وبما أننا سوف نستكشف فقط أقرب المناطق من مجرتنا (بضعة آلاف من السنوات الضوئية، مقارنة بقطر يقدّر بمئة ألف سنة ضوئية)، فإنّ هذا يعني أنّ الحياة منتشرة على نطاق واسع من المجرة والكون. وإذا كانت الحياة في كلّ مكان، فمن المحتمل أن تكون قد تطوّرت في مكان ما وصارت كائنات وحيوانات أكثر تعقيدا، وربما أجناساً ذكية. وحتى إذا لم نجد في مجرّتنا إلا حياة بدائية لم تتطوّر ولكنها منتشرة بشكل واسع، فمن شبه المؤكّد أن تكون تطوّرت في مجرّات أخرى، لأنّ هناك على الأقلّ تريليون من المجرات في هذا الكون، وفي كلّ منها 100 مليار نجم وكوكب. وإذا كانت الأجناس الذكية موجودة في مكان ما، فإنها على الأرجح أكثر تقدّما  منا بكثير، ذلك لأنّ كوكبنا ظهر متأخرا نسبيا (فعمره فقط 4.5 مليار سنة مقارنةً بعمر الكون 13.8 مليار سنة)، وسأترك هذه الاحتمالات للفلاسفة وعلماء الدين للمناقشة.

ومهما كانت نتيجة الاكتشافات، حتى لو كانت سلبية وتبيّن أنه ليس ثمة حياة أخرى خارج كوكبنا، فإنّ ذلك سيمثّل  تطوّراً مهماً جدا. وكما عبّر كاتب الخيال العلميّ المفضّل لديّ، الراحل آرثر س. كلارك، من خلال مقولته الشهيرة: “هناك احتمالان قائمان: إما أننا وحدنا في الكون، أو لسنا كذلك، وكلاهما مرعب بنفس القدر”.

فإذا لم نجد أيّ أثر للحياة بين عشرات الآلاف من الكواكب التي سنكتشفها ونحلّلها على مدى السنوات العشر القادمة، فإنّ هذا لن يثبت عدم وجود الحياة خارج الأرض، لكنه سيعني أنّ الحياة تمثل ظاهرة نادرة جداً، وهذا أمر سيكون له تداعيات مهمّة، سواء بالنسبة للعلم أو بالنسبة لنظرتنا للكون ووجودنا فيه. فإذا تبيّن لنا أن كوكبنا ينفرد بحمل الحياة وأننا الوحيدون الحاملون للوعي والذكاء العالي، فإنّ مسؤوليتنا تجاه الكون كله تصبح عظيمة.

إنّ البحث عن الحياة هو أحد أهمّ المهمّات العلمية اليوم وعلى مدار التاريخ. ولقد بتنا أقرب للوصول لإجابات مبدئية على الأقل، وهي بدورها ستطرح عدداً من الأسئلة المثيرة أمام العلم والدين والبشر من شتّى الخلفيّات والتوجّهات…

ترجمة أ. بسمة ذياب للمقال الصادر بجريدة عرب-نيوز يوم الخميس 14 ديسمبر 2017:

http://www.arabnews.com/node/1208571