Hiroshima

6 August 2015 , Educational Issues

هيروشيما: حتى لا تتكرّر أبداً !

نضال قسوم
Hiroshima, never ever again

قبل سبعين سنة، وبالتّحديد في 6 أغسطس من العام 1945، قام البشر بارتكاب أكثر الأعمال رعبا وخزيا في كامل تاريخهم. في ذلك الصّباح المشؤوم قامت طائرة عسكريّة أمريكيّة بإسقاط نوع جديد من القنابل على مدينة هيروشيما اليابانيّة. هذه الشّحنة المتفجّرة، المسمّاة سخرية بـ”الولد الصّغير”، كانت تحتوي على 64 كغ فقط من مادّة اليورانيوم، لكنّ قدرتها التفجيرية كانت تعادل 15 طنّا من مادّة الـTNT المتفجّرة. كان حجم الدّمار الجهنّمي الذي سببته للمدينة وسكانها لا مثيل له، بل وحتّى لا يُتخيّل. رغم ذلك، بعد ثلاثة أيّام من ذلك، أسقطت قنبلة نوويّة أخرى فوق مدينة ناكازاكي اليابانية، وهذه المرّة سمّيت بـ”الرّجل السّمين”، إذ كانت تقنيّا مختلفة عن سابقتها. استسلمت اليابان في اليوم التالي، غير راغبة في مشاهدة مزيد من الجحيم على الأرض.

ولتصوّر مدى بشاعة  مثل تلك القنابل النووّية، تجدر مراجعة التّأثير الفوري وكذا الآثار اللاّحقة لحادثة هيروشيما. خلال ثانية واحدة، أدى انفجار القنبلة على علوّ 200 متر من سطح الأرض إلى إنتاج كرة ناريّة بعرض 280 متر، بلغت درجة حرارة قلبها أكثر من مليون درجة مئويّة. وعلى سطح الأرض بلغت درجة الحرارة 4000 درجة مئويّة، مذيبةً أي شيء على مدّ البصر، لحما كان أو معدنا. واستمرت النّيران في الإنشعال لساعات، محرقةً المباني والحيوانات، حتى الطّيور. وتحطّم الزّجاج فاخترقت شظاياه الأجساد كما الرصاص – كان المشاهد عبارة عن فيلم رعب حقيقي… لقد قدّرت الخسائر البشرية الفوريّة بحوالي 80.000، إضافة للآلاف الذين عانوا من كلّ أنواع الأمراض اللاّحقة وماتوا بسبب ذلك بعد عدّة سنوات.

ولم ينحصر تأثير القنبلة بتلك الكرة النّاريّة الجهنّميّة بحرارتها وألسنة اللّهب الصادرة عنها والناتجة عن التّفاعلات النّووّية المتسلسلة، بل تلاه قتل آخر نجم عن الإشعاعات (الأشعّة غاما والنيوترونات) التّى تسرّبت الى كلّ شيء، من الهواء إلى الماء والتّراب، ومن الإنسان إلى النّباتات. في الحقيقة، مع كلّ هذا الدمار، لم تُستهلك سوى 10% فقط من كتلة اليورانيوم الذي حوتها القنبلة، أما الباقي فقد تناثر في الهواء على شكل مواد مشعّة، بعضه نزل مع المطر وانتقل إلى التراب والماء الذي شربه السّكان والحيوانات العطشى بشكل مأساوي. كانت الجرعة الإشعاعية مدمّرة، فقد بلغ ما تعرّض له النّاس من الأشعة في المنطقة المركزية من المدينة مئة ضعف ما يتعرّض له معظمنا خلال سنة كاملة.

كانت العلل والمعاناة التّي تلت ذلك أكبر وأشدّ من أن توصف، فقد شملت آثارا واسعة منها: تلف الكبد، أمراض القلب والأوعية الدموية، وتلف الغدة الدرقية، التهاب الكبد المزمن، إعتام عدسة العين، إسهال لأشهر طويلة، تدميرنخاع العظم وكريّات الدم البيضاء مما جعل جهاز المناعة غير قادر على مواجهة معظم الأمراض المعدية. كما ظهرت كلّ أنواع السّرطانات بين الآلاف من السّكان خلال سنوات التالية.

مع قراءة هذا السرد الموجز للآثار المدمّرة لقنبلة هيروشيما، قد يتصوّر المرء أنّه لا بدّ أن الإنسانية عادت إلى رشدها وحكمتها بسرعة، بل وربما كفّرت عن خطاياها. لكن على العكس من ذلك، واصلت القوى الكبرى، الأمريكيون والرّوس على وجه الخصوص، سباقهم المجنون لصنع أكبر وأبشع القنابل. والأكثر صدمة، أنه بينما توجد معاهدات دولية لحظر الأسلحة البيولوجية والكيميائية، والقنابل العنقوديّة والألغام الأرضيّة، فإنه لا يوجد أي قانون دولي يحرّم استخدام القنابل النّوويّة، كل ما يوجد هو معاهدة “عدم الانتشار” التّى لم تمنع عددا من الدّول (إسرائيل، الهند، باكستان، كوريا الشّمالية) من الانضمام لـ”النّادي النووي”، مع فرنسا والمملكة المتّحدة والصّين.

فمع عام 2009، قدّر عدد القنابل النّوويّة بحوالي 24.000، كان 55% منها لروسيا و 40% للولايات المتّحدة. إضافة إلى ذلك، يقدّر المخزون العالمي من اليورانيوم عالي التّخصيب بـ 1600 طن، أي ما يكفي لإنتاج 60.000 قنبلة جديدة. والأكثر مدعاةً للقلق هو القدرة التّفجيريّة للقنابل النّوويّة الحديثة: ففي حين كانت تقاس قوة قنبلة هيروشيما بوحدة الكيلوطن من الـTNT، فإنّ  قنابل اليوم تقاس بالميغاطن، وأكبر قنبلة حتى الآن هي “تسار بومبا “Tsar Bomba التّي فجّرها الاتّحاد السّوفياتي عام 1961 وأنتجت طاقة تعادل 50 ميغاطن من مادّة الـTNT، محدثة كرة نارية بقطر 2.3 كم.

إزاء كلّ هذا، ما الذي يجب فعله؟ بكل بساطة: تدمير كامل لكل الأسلحة النّوويّة، وسنّ قوانين دوليّة صارمة لمنعها من الظّهور مجدّدا. من المثير للانتباه ما صرّح به باراك أوباما عام 2009 عن “إلتزام أمريكا للسعي قدما من أجل عالم آمن خال من الأسلحة النّوويّة”، مضيفاً: “أنا لست ساذجا، لن نصل إلى هذا الهدف سريعا، ربّما لن يكون هذا خلال حياتي”. وقبل بضعة شهور، عقد في نيويورك مؤتمر لمراجعة معاهدة حظر الانتشار، حيث وقّعت 159 دولة على بيان يدعو  لبذل جهود جدّيّة لإزالة تهديد هذه الأسلحة ذات الدّمار الشّامل، مشدّدين على أنّ “الضّامن الوحيد لذلك هو… تدميرها الكامل.”

إن الأمر لا يتوقّف على الساسة فقط، بل يجب على المفكّرين والزعماء الدّينيين وصنّاع الرّأي العام استثمار تأثيرهم ورصيدهم الاجتماعي لدفع الحكومات للتراجع عن بناء وتخزين هذا الجحيم الوحشي. وإذ يجب أن تكون الحروب ممقوتة بشكل عام، فإن الأسلحة التي تقتل وتدمر بغير تمييز يجب أن تحرّم على وجه الخصوص وتنزع من المخازن العسكريّة. وفي هذا السياق، ينبغي أن نعيد للأذهان القيم الدينية الخاصة بشؤون الحرب، مثل مبدائ الإسلام وأوامره الواضحة بعدم التعرّض لأي فرد غير مقاتل (النّساء، الأطفال، المسنّين، الرّهبان)، أو إتلاف أي ملكيّة أثناء الحرب، بما في ذلك الأشجار؛ يقول تعالى: “ولا تعتدوا… إنّ الله لا يحبّ المعتدين”. وكانت أوامر صارمة قد أعطت للجيوش الإسلامية بذلك قبل الغزوات، مؤكدة على أخلاقيات الحرب وعدم تحويلها الى إجرام شامل..

قدّم تاداتوشي أكيبا، عمدة هيروشيما بين 1999 و 2011، بشكل بليغ الحجّة الأخلاقية ضدّ الأسلحة النّوويّة قائلا: “طالما لدينا أسلحة نوويّة على هذه الأرض، فإنه لا يمكننا ادّعاء بأنّ هناك حياة حقيقية مزدهرة عليها”.

خلاصة، فلنستغلّ هذه الذّكرى الحزينة لإيجاد حلّ والعمل بجدّ لتخليص العالم من الأسلحة النّوويّة وجعلها خطأ منسيّا من الماضي.

ترجمة أ. جهاد حسام الحسين صوالح محمد ومراجعة أ. بسمة ذياب لمقال نضال قسوم الصادر بجريدة غولف-نيوز يوم الخميس 6 أغسطس 2015:

http://gulfnews.com/opinion/thinkers/hiroshima-never-ever-again-1.1561886