mental-strengths-of-astronauts

30 September 2019 , Educational Issues

القدرات النفسية الخارقة لرواد الفضاء

 

نضال قسوم

أصبح رائد الفضاء الإماراتيّ هزاع المنصوري أوّل عربيّ يشارك في الأبحاث الفضائية على متن المحطة الفضائية الدولية (ISS). إنه بالفعل بطل، فخر الشعب الإماراتيّ، وعلى نطاق أوسع، العالم العربيّ.

ومع ارتياد الفضاء، غالبًا ما يتمّ شرح الجوانب التقنية لهذه الرحلات، سواء ما يتعلّق بالصواريخ أو الرحلات أو مهام روّاد الفضاء. فمثلا نحتاج أن نشرح للناس لماذا في حين يمكن أن تصل مركبة فضائية إلى المحطة الفضائية الدولية، التي تقع على ارتفاع 400 كم فقط عن سطح الأرض، في أقلّ من 10 دقائق، فإنّها في الواقع تستغرق ستّ ساعات لتسلك مسارها الفعليّ لتلتحم بالمحطة (وعلينا أن نتذكّر أنّ المحطة الفضائية الدولية تدور حول الأرض بسرعة تبلغ حوالي 28000 كيلومترا في الساعة). فمسار المركبة وإجراءات الالتحام مع المحطة معقدة وأحيانًا يجب إعادة المحاولة أكثر من مرة. لحسن الحظ، كانت رحلة سويوز التي أقلّت المنصوري وزميليه الروسي والأمريكية، لا تشوبها شائبة.

لكن في مقابل هذه الاعتبارات التقنية، نادراً ما يسلّط الضوء على القوة النفسية والعقلية المطلوبة من طرف روّاد الفضاء في هذه المواقف.

تذكرت ذلك أثناء مشاهدة فيلم “إلى النجوم” (Ad Astra) بعد يوم واحد من ولوج هزّاع المنصوري إلى الفضاء. وفي الفيلم خضع رائد الفضاء (الذي لعب دوره “براد بيت” ببراعة) مرات عديدة الى اختبارات نفسيّة، قبل وأثناء الرحلات الفضائية المختلفة التي قام بها.

كان التركيز على القوة النفسية لرائد الفضاء واضحا منذ اللحظات الأولى من الفيلم. ففي أحد المشاهد الأولى سئل الرائد عما إذا كان صحيحا أن نبضات قلبه لم تتجاوز أبداً 80 نبضة في الدقيقة. وكانت هناك أيضًا حالات عُرضت فيها نقاط قوته النفسية الاستثنائية: القدرة على وضع كل مسألة في موقعها الصحيح مهما كانت معقّدة أو مؤثرة، والقدرة على التركيز، وعلى المحافظة على الهدوء والفاعلية في المواقف الصعبة، والتعامل مع الضغوط الاستثنائية.

فيلم آخر حديث سلّط الضوء على مواطن القوّة النفسيّة والذهنيّة لروّاد الفضاء، هو “الرجل الأول” (First Man)، الذي روى قصة نيل أرمسترونغ منذ أن كان طياراً في البحرية، ثم التحاقه بـ”ناسا”، وإلى هبوطه  بنجاح على سطح القمر والعودة بأمان إلى الأرض.

كشف الفيلم عن قوة أرمسترونغ النفسية وهدوئه ورباطة جأشه الخارقين في المواقف التي لم يكن بإمكان الآخرين التعامل معها، بما في ذلك الالتحام بمركبة فضائية بمركبة حدث فيها خلل كاد يؤدي الى إغمائه، والهبوط على سطح القمر وهو لا يكاد يملك 30 ثانية قبل نفاد الوقود، وغيرها من المواقف عالية الضغط. كانت هذه الصفات الذهنية نادرة وساعدت إلى حدّ كبير في نجاح برنامج أبولو، ولكن في الوقت نفسه كان لها آثار سلبية في علاقته بزوجته وأطفاله، على وجه الخصوص ، وهو موضوع تكرّر في “إلى النجوم”.

قبل أن يُقبلوا ويشرعوا في برامج تدريب فنية وجسدية ونفسية صارمة، يتمّ اختيار مرشّحي ريادة الفضاء وفقًا لمعايير عديدة. تقول صفحة “متطلّبات تدريب روّاد الفضاء” التابعة لوكالة الفضاء الأوروبية: “الجوانب الرئيسية التي تؤخذ في الاعتبار هي الملاءمة النفسية والكفاءة العلمية والتقنية، وتحقيق المعايير الطبية”. وتحت بند “المتطلّبات النفسية”، تم إدراج عدة أمور، منها “التعاطف مع الزملاء، والبعد عن العدائية، إضافةً إلى  الاستقرار العاطفيّ”.

لم أقابل المنصوري بعد. وآمل أن أحصل على الفرصة في المستقبل القريب، لأنه بلا شكّ سيزور المدارس والجامعات وغيرها من الأماكن ليصف تجربته في الفضاء، وما تعلّمه، والدروس والمشورة التي يرغب في تقديمها أو نقلها إلى الجيل التالي من روّاد فضاء إماراتيّين وعرب، ولهواة الفضاء، وللعلماء والمهندسين وغيرهم.

ومع ذلك، فمن مقاطع الفيديو التي رأيته من خلالها، يتّضح أنّه شخص قويّ يتحلّى بالتواضع، ولطيف ويمتلك السمات المطلوبة لرحلة الفضاء. وبالفعل، نادرون هم الأفراد الذين يمتلكون الكفاءة الفنية واللياقة البدنية والقوة النفسية اللازمة لمهمات محطة الفضاء الدولية وتجاربها العلمية والتكنولوجية والطبية.

لقد حضرت البث المباشر لانطلاق رحلة المنصوري مع عشرات من طلاب الثانويات الإماراتيين، وبالإضافة للفرحة والفخر والاعتزاز وهو ما كان واضحاً على أوجههم في تلك اللحظة التاريخية، فقد سعدت بملاحظة افتتانهم بالفضاء والعلوم والتكنولوجيا. واتّضح لي أنّهم جميعًا شعروا أنّ الفضاء – ليس فقط محطة الفضاء الدولية، ولكنّ المريخ وما وراءه – صار مفتوحا لهم، ولا يقتصر على شعوب الدول المتقدمة.

مرحى للمنصوري والمسؤولين الإماراتيين والفريق الذي حقّق نقطة التحوّل هذه. ونتطلّع إلى المزيد من الإنجازات إن شاء الله.

ترجمة أ. بسمة ذياب لمقال نضال قسوم الصادر في جريدة عرب-نيوز يوم الأحد 29 سبتمبر 2019: https://www.arabnews.com/node/1561151