Misbar-Al_Amal
16 May 2015 , Educational Issues
فك الألغاز المدهشة للمريخ / مسبار الأمل
نضال قسوم
مسبار “الأمل” الذي تعتزم دولة الإمارات العربية المتحدة إطلاقه في يوليو 2020 باتجاه المريخ، ليصل إلى الكوكب الأحمر بدايات 2021، سيكون تتويجاً لخمسين عاماً من التطور المذهل لهذه الدولة بجعلها الأولى على المستوى العربي والإسلامي التي تقوم بإرسال مركبة فضائية باتجاه أحد الكواكب. وسيضعها ذلك في مصافّ الدول المتقدمة في اكتشاف الكون والسعي لكشف ماضي العالم وحاضره ومستقبله.
دراسة المريخ لها أهمية خاصة في فهمنا لمزايا كوكبنا الأرض وتاريخه الطبيعي وحتى مستقبله. حيث أن كلا الكوكبين يشتركان في خصائص عدة، منها أن لهما تقريباً نفس مدة الدوران حول محورهما (24 ساعة)، ونفس زاوية ميلان المحور (24 درجة)، ويتشابهان في كثير من الملامح الطبيعية والتحولات الموسمية. لكنهما يختلفان بوضوح في طبيعة الأجواء: فالغلاف الغازي للمريخ أرقّ من غلاف الأرض بمئة مرة، وهو في معظمه مكوّن من غاز ثاني أكسيد الكربون؛ وكذلك يختلفان كثيرا في درجة الحرارة، إذ معدّلها على الأرض حوالي 20 درجة مئوية، بينما تبلغ على المريخ 60 تحت الصفر؛ وأيضا لا يوجد ماء سائل على المريخ. أضف لذلك عدم عثورنا على أي حياة على الكوكب الأحمر.
لطالما كان المريخ الكوكب الأكثر سحراً وغموضا ورهبة من بين الأجرام السماوية. فلونه الأحمر، الذي لا يخطئه ناظر، تم ربطه بالحرب والدماء في القدم، حتى اعتبر في الأساطير الإغريقية والرومانية آلههً الحرب. وأطلق عليه المنجّمون العرب اسم “النحس الأصغر” (وكان زحل هو النحس الأكبر عندهم). لا عجب إذاً أنه، عبر التاريخ و بالأخص بعد اختراع التلسكوبات التي قربت الأجرام السماوية، كان الكشف عن ملامح جديدة للكوكب يزيد من غرابته. كما أنّ المعدّل المرتفع للفشل في محاولات إرسال مسابير فضائيةٍ باتجاه الكوكب في العقود الأولى جعله يعتبر كوكباً مشؤوماً لدى العلماء.
في العام 1784 رصد وليم هيرشل William Herschel، أعظم فلكيّ في زمنه ومكتشف كوكب أورانوس، المريخ بتلسكوبه الكبير وظن أنه رأى بحارا على سطح الكوكب. و في العام 1877 ظن العالم جيوفاني سكياباريلي Giovanni Schiaparelli أنه رأى قنوات تمتد على سطح الكوكب وفسّرها بـ”ممرات مائية” منبعثه من المنطقتين القطبيتين للكوكب. وهكذا ظهرت فكرة “المريخيين” في الثقافة العامة، وقد استمرت لأكثر من قرن. وفي العام 1908 وصف برسيفال لوال Percival Lowell المريخ بـ”مسكن الحياة”. وفي عام 1921 زعم رائد اتصالات الراديو ماركوني Marconi أنه كان يلتقط إشارات راديو من الكوكب الأحمر، ما أثار اهتمام الحكومة الأمريكيه آنذاك.
وعندما بثّ أورسون ويلس Orson Wells برنامجه الإذاعي الشهير ” حرب العوالم” (War of the Worlds) سنه 1938، أثار ذلك هلعاً بين الملايين الذي تابعوه ودخل البرنامج القاموس الثقافي الحديث.
لكنّ الصور المقرّبة للكوكب التي تم الحصول عليها عام 1976 بوساطة المسابير الاستكشافية الأولى للكوكب ألغت وللأبد فكرة وجود “ممرات مائية” على المريخ. لكنّ المخيّلة الإنسانية أشعلت من جديد عندما أظهرت صورة قليلة الدقة تشكيلاً على سطح الكوكب يشبه وجه إنسان، فخرجت نظريات عن بناء الكائنات الفضائية لذلك التشكيل، واستغرق الأمر عشرين عاماً ليظهر بعدها (من خلال صور أعلى دقة) أنّ ذلك “الوجه” لم يكن سوى تلة ذات جوانب شديدة الانحدار.
ولكن صورة الغموض المتعلق بالكوكب لا زالت مترسخة في الأذهان العامة، ففي عام 2011 انتشرت صورة لـ”محطّة” سمّيت Bio Station Alpha كانت تُظهر ما ظنّ البعض أنه قاعدة على الكوكب. والحقيقة أنها لم تكن إلا خداعاً ضوئيّاً تسبّب به أثر الأشعة الكونية على كاميرا المركبة الفضائية اللاقطة للصورة.
لكن على الصعيد العلمي هناك ألغاز حقيقية متعلقة بالكوكب.
أولاً، تظهر الصور الملتقطة العديد من الأخاديد والأنهار الجافة، لكنّ تحديد عمرها يتفاوت كثيرا لدى الأخصّائيين. كما أنّ النصف الشمالي للكوكب يظهر تضاريس تؤشّر على وجودٍ سابقٍ لبحرٍ كبير. فالسؤال الذي لا يزال مطروحا هو: متى جرى الماء على سطح الكوكب ؟ في الأسبوع الفائت نشرت ورقة بحث في المجلة العلمية المرموقة Icarus تشير لإمكانية أن يكون جريان الماء على المريخ قد حصل منذ حوالي 500,000 سنة فقط.
ولكن لكي يجري الماء السائل على الكوكب، كان لا بد للغلاف الجوي للمريخ أن يكون أكثر كثافة بكثير مما هو عليه الآن. فما الذي أفقد المريخ معظم غازاته ؟ وماذا عن غاز الميثان الذي اكتشف وجوده مؤخراً على الكوكب ؟ فالميثان عادة ما يرتبط وجوده بالكائنات الحية وإفرازاتها الغازية، ولكنه يمكن أن ينتج أيضاً من النشاط البركاني. إذن، قد يشير ميثان المريخ إلى ملامح تحت-سطحية معقدة يحتاج فهمها إلى إجراء المزيد من القياسات للغلاف الجوي للكوكب.
و يبقى السؤال الأكثر إثارة للاهتمام، للعلماء كما للعامة، هو إمكانية وجود حياة بأي شكلٍ على الكوكب، سواء الآن أو في الزمن الماضي. لكن هذا السؤال لن يتمكّن مسبار “الأمل” من الإجابة عليه، حيث يحتاج ذلك إلى مركبة متجوّلة تستكشف سطح الكوكب، بينما مسبار “الأمل” سيوضع في مدار حوله. ومع هذا، سيزوّدنا المسبار بتفاصيل مفيدة حول الغلاف الجوي للكوكب.
إنّ هذا كلّه يجعلنا متحمّسين لإطلاق مسبار “الأمل”، بما سيحمله من أجهزة ذات تقنية عالية (كاميرا عالية الدقة، مطياف للأشعة تحت الحمراء وآخر للأشعة فوق البنفسجية، إلخ.)، فيقوم بتفحّص الغلاف الجوي للمريخ، مما سيسمح بتزويد الباحثين والطلاب لسنوات بمعلومات للبحث قد تحل بعضاً من ألغاز الكوكب.
ترجمة أ. رائدة فضة لمقال نضال قسوم الصادر بجريدة غولف-نيوز يوم الثلاثاء 12 مايو 2015: http://gulfnews.com/opinion/thinkers/solving-mars-s-fascinating-mysteries-1.1508945