Science-2016-Predictions-Surprises
31 January 2016 , Educational Issues
تنبؤات ومفاجآت العلوم في سنة 2016
“إنه لمن الصعب جدا القيام بالتوقّعات، خاصة فيما يتعلق بالمستقبل”. تلك مقولة ساخرة تنسب لعدة أشخاص بمن فيهم فيزيائي القرن العشرين العظيم الدانماركي نيلس بور، أبو النظرية الذرية الحديثة والفائز بجائزة نوبل في العام 1922. وفي دراسة هامة وجد مشهورة، نشر فيليب تيتلوك، أستاذ علم النفس والعلوم السياسية في جامعة بنسلفانيا، عام 2005 مراجعة لتوقّعات عدد من الخبراء في مواضيع مختلفة أظهر فيها أن نتائج تنبؤاتهم لم تكن أدق من تنبؤات رجل الشارع.
قبل أسبوعين، وفيما كنت قد أوشكت على الإنتهاء من كتابة هذا المقال، جاءت واحدة من المفاجآت العلمية المذهلة: “اكتشاف”، على الأقل عن طريق الحسابات، كوكب تاسع في نظامنا الشمسي، كتلته 10 أمثال كتلة الأرض، و يبعد 600 مرة قدر بعد الأرض عن الشمس. ولقد جاء الاستدلال على وجود هذا الكوكب (وخصائصه) استناداً إلى التأثيرات المرصودة على عدة أجرام في أطراف النظام الشمسي، تماما كما كان الحال عندما تم التنبؤ بوجود كل من نبتون وبلوتو ورصدهما فيما بعد، وذلك من خلال ملاحظة تأثير كلّ منهما على جيرانهما.
يفاجؤنا الواقع أحياناً بتجاوزه لتوقّعاتنا. معظم الفيزيائيين كانوا يتوقعون أن يتم رصد أمواج الجاذبية هذه السنة، تلك التي تم التنبؤ بها منذ زمن طويل من خلال نظرية ومعادلات آينشتاين دون أن يتم رصدها خلال العقود السابقة. كان ذلك التوقع مبنيًا على تدشين مرصد LIGO”" الدولي المتقدم مؤخرا، أو ربما مع تدشين المرصد “Virgo” في إيطاليا قريبا. لكنّ إشاعات قوية جدا انتشرت في الأسابيع القليلة الماضية مفادها أن تلك الأمواج قد تم رصدها مؤخرا، وهو ما ننتظر التأكيد الرسمي بشأنه.
لذا فليس هناك شكّ في أنّ المفاجآت العلمية تحدث بين الحين والآخر. ومع ذلك، فإن ثمة مجال حيز واسع العلم تتم فيه التنبؤات ببعض الأحداث والتطورات المستقبلية، بشكل أفضل بكثير مما يمكن القيام به في السياسة والاقتصاد أو غيرها من مجالات النشاط البشري. لماذا هذا؟
أولا، إنّ الظواهر الطبيعية، والفلكية على وجه الخصوص، قابلة للتنبؤ بها، بفترة طويلة، وبالنسبة للأحداث الفضائية قبل سنوات كثيرة من حدوثها. ذلك لأنها تخضع لقوانين طبيعية مفهومة جيدا. ثانيا، بعض التطورات في مجالات أخرى من مجالات العلم تتبع إنجازات حالية، وبالتالي يمكن للمرء أن يستشرف المستقبل ويضع تصوّراً للتقدم المتوقع في هذا المجال أو ذاك.
لذا، اسمحوا لي أن أضع بعض التنبؤات العلمية المأمونة لسنة 2016، بدءاً من الأحداث الفلكية، وهي الأكثر سهولة من حيث التنبؤ.
يوم 9 آذار/ مارس، سيحدث كسوف للشمس، وسيكون كسوفاً كلياً يمكن مشاهدته من أندونيسيا إلى هاواي (تقريبا)، ويشاهد ككسوف جزئي في بعض المناطق القريبة منها. على “مسار الكسوف الكلي”، حيث ستتوارى الشمس بشكل كامل خلف القمر سيحدث الظلام الدامس لمدة أربع دقائق و 10 ثوان. بالفعل، نملك نماذج لحركات القمر والأرض والشمس (والأجرام السماوية الأخرى القريبة وذات الصلة) دقيقة بما فيه الكفاية بحيث تسمح للحواسب أن تحدد لنا متى وأين يكون الوضع ملائما لحدوث الكسوف، وهو من أسهل ما يمكن التنبؤ به – وربما الأكثر إثارة أيضا.
أما في يوم 30 أيار/ مايو، فسوف يكون المريخ في موقعه الأقرب إلى الأرض، ولذا فلمدة أسبوعين تقريبا حول ذلك التاريخ سوف يكون المريخ ساطعا بلون أحمر. بل سيكون ألمع مرتين من ألمع نجوم الليل وهي الشعرى اليمانية، ولكن بالتأكيد لن يحدث شيء من ذلك الهراء الذي يتكرر في الإعلام حول شائعة “قمرين في السماء” التي تنتشر كلما اقترب المريخ في مداره من الأرض.. وهذا التقارب هو فرصة لإرسال مركبة فضائية إلى الكوكب الأحمر ( إذ لا تستغرق الرحلة حينها أكثر من سبعة أشهر للوصول إلى هناك)، وسيقوم الأوروبيون بذلك مع مركبة “إكسو مارس” ExoMars، والتي ستطلق في آذار/مارس وتصل في أكتوبر، لدراسة بعض الجوانب المتعلقة بالغلاف الجوي لكوكب المريخ، وتنفيذ هبوط لعربة بطريقة جديدة. (وسيتم استغلال فرصة مشابهة لقرب المريخ حينما يتم إرسال مسبار “الأمل” الإماراتي في تموز/يوليو 2020).
وهناك أيضا بعض المركبات الفضائية الأخرى التي لديها مواعيد هامة في عام 2016: سوف تصل مركبة “جونو” كوكب المشتري في 4 تموز/يوليو 2016، وسوف تسقط “روزيتا” نفسها على المذنب “تشوري” في أيلول/سبتمبر متحطمة لتحصيل كم إضافي وأخير من المعلومات العلمية.
بالطبع فإن العلم ليس كله فضاء وفيزياء، إذ هناك تطورات هامة عديدة في مجالات أخرى. ولا بد لي من تسليط الضوء، على وجه الخصوص، على التطورات الأخيرة المتعلقة بتقنية ” كريسبر CRISPR “، وهي تقنية خاصة بالتعديل الجيني، وصفت بأنها الإنجاز الأكثر أهمية في عام 2015، وهي تَعِدُ بثورة في علم الوراثة وتطبيقاته.
بالفعل، أعلن باحثون صينيون أنهم استخدموا تقنية “كريسبر” لتعديل جينات جنين بشري، لكن مع ظهور عدد من الأخطاء في العملية.. وقد عقدت قمة علمية عالمية في ديسمبر الماضي لمناقشة تداعيات هذه التقنية السهلة والرخيصة ومحاولة الاتفاق على مجموعة من المبادئ الواجب أن تحكم طريقة استخدامها – خشية البدء في إنتاج وحوش، من فيروسات وحيوانات وبشر..
لكنّ التطبيقات الإيجابية والمفيدة من تقنية “كريسبر” لا يمكن تجاهلها، ناهيك عن الفوائد التجارية لها. فقد أعلنت بعض الشركات الخاصة أنه سيتم تطبيق تلك التقنية في محاولة لإزالة أو تعطيل جين “الناعور” وهو مرض نزف الدم الذي يصيب حوالي مليون شخص في العالم ويؤثر في حياتهم بشدة في كثير من الحالات. وتشمل التطبيقات الأخرى التعديل على الجين الذي يمنع (أو يقاوم) بعض العلاجات لمرض السرطان وغيره من الأمراض الخطيرة. ما من شك في أنّ “كريسبر” يمكن أن تكون تقنية جديدة فعّالة، ولكن من دون مبادئ توجيهية صارمة، فإنها يمكن أن تنحرف بسهولة وتتخذ مساراً خطيراً للغاية.
مع تقدّم المسيرة العلمية وفتح آفاق جديدة، تحدث تطوّرات مذهلة كل سنة. وتبدو الأحداث العلمية لعام 2016 واعدة بالإثارة والروعة.
ترجمة أ. بسمة ذياب لمقال نضال قسوم الصادر بجريدة غولف-نيوز يوم الخميس 28 يناير 2016:
http://gulfnews.com/opinion/thinkers/science-in-2016-predictions-and-surprises-1.1661157